للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وترَكني لا شيء لي. فَغَضِب داود، فنظر إلى خَصْمِه الذي لم يتكلَّم، فقال: لئن كان صدَقنى ما يقولُ لأَضْرِبنَّ بين عينيك بالفأسِ. ثم ارْعَوَى داود فعرف أنه هو الذي يُرادُ؛ بما صنَع في امرأة أوريا، فوقع ساجدًا تائبًا مُنِيبًا باكيًا، فسجد أربعين صباحًا صائمًا لا يأكُلُ فيها ولا يشرَبُ، حتى أنْبَت دمعُه الخَضِرَ تحتَ وجهه، وحتى أنْدَب السجود في لحمِ وجهِه، فتابَ اللهُ عليه، وقَبِل منه. فيَزْعُمون أنه قال: أي ربِّ هذا غفرَتَ ما جنيتُ في شأن (١) المرأةِ، فكيف بدم القتيل المظلومِ؟ فقيل له: يا داود -فيما زعَم أهلُ الكتابِ- أما إن ربَّك لم (٢) يَظْلِمُه بدمِه، ولكنَّه سيسألُه إيَّاك فيُعْطِيه، فيَضَعُه عنك. فلما فُرِّج عن داودَ ما كان فيه، رسم (٣) خطيئته في كفِّه اليمنى؛ بطن راحتِه، فما رفَع إلى فِيهِ طعامًا ولا شرابًا قَطُّ إلا بكَى إذا رآها، وما قامَ خطيبًا في الناس قط إلا نشَر راحتَه، فاستقبل بها الناسَ، ليَرَوْا رسم (٣) خطيئته في يده (٤).

حدَّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن إدريسَ، قال: سمعتُ لَيْثًا يذكرُ عن مجاهد قال: لما أصابَ داود الخطيئة خَرَّ لله ساجدًا أربعين يوما، حتى نبت من دموعِ عينيه من البَقْلِ ما غَطَّى رأسَه، ثم نادَى: ربِّ قَرح الجبين، وجَمَدتِ العينُ، وداود لم يُرجع إليه في خطيئته شيءٌ. فنُودِى: أجائعٌ فتُطْعَمَ، أم مريضٌ فتشفى، أم مظلومٌ فيُنْتَصَرَ لك؟ قال: فنَحَب نَحْبةً هاجَ كلّ شيءٍ كان نَبَت، فعند ذلك غُفِر له، وكانت خطيئته مكتوبةً بكفّه يقرؤُها، وكان يؤتَى بالإناءِ ليشربَ فلا يشربُ إلا ثلثَه أو نصفَه، وكان يذكُرُ خطيئته، فيَنْتَحِبُ (٥) النَّحْبة تكادُ مفاصلُه يزولُ بعضُها مِن


(١) في ص، ت ١: "حق".
(٢) في ص: "لن".
(٣) في ت ٢، ت ٣: "وشم".
(٤) أخرجه المروزى في تعظيم قدر الصلاة (٢٠) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قوله.
(٥) في ص، م، ت ٢، ت ٣: "فينحب".