للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلَف أهلُ التأويلِ في معنى قولِه: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾. وقد ذكَرْنا اختلافَهم في ذلك والصوابَ من القولِ عندَنا فيه في سورةِ "الأنبياءِ"، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).

فتأويلُ الكلامِ: فاغتَسَل وشرِب، ففرَّجنا عنه ما كان فيه من البلاءِ، ووهَبْنا له أهلَه من زوجةٍ وولدٍ: ﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا﴾ له (٢) ورأفةً، ﴿وَذِكْرَى﴾. يقولُ: وتذكيرًا لأولى العقولِ؛ ليعتَبِروا بها فيتَّعِظوا.

وقد حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: أخبَرني نافعُ بنُ يزيدَ، عن عُقيلٍ، عن ابن شهابٍ، عن أنسِ بن مالكٍ، أن رسولَ اللهِ قال: "إن نبيَّ اللهِ أيوبَ لبِث به بلاؤُه ثمانيَ عشْرةَ سنةً، فرفَضه القريبُ والبعيدُ إلا رجلان (٣) من إخوانِه، كانا من أخصِّ إخوانِه به، كانا يَغْدُوَان إليه ويَرُوحان، فقال أحدُهما لصاحبِه: تَعْلَمُ واللهِ لقد أذنَب أيوبُ ذَنْبًا ما أذنَبه أحدٌ من العالمين. قال له صاحبُه: وما ذاك؟ قال: ثمانيَ عشرةَ سنةً لم يَرْحَمْهُ اللهُ، فيَكْشِفَ ما به. فلما راحا إليه لم يَصبرِ الرجلُ حتى ذكَر ذلك له، فقال أيوبُ: لا أَدْرى ما تَقولُ، غيرَ أن الله يَعْلَمُ أنى كُنْتُ أمُرُّ على الرجلين يَتَنازعان فيَذْكُران الله فَأَرجِعُ إلى بيتى فأُكَفِّرُ عنهما، كراهيةَ أن يُذْكَرَ اللهُ إلا في حقٍّ. قال: وكان يَخرُجُ إلى حاجتِه، فإذا قضاها أَمْسَكَت امرأتُه بيدِه حتى يَبْلُغَ، فلما كان ذاتَ يومٍ أبطَأ عليها، وأُوحِيَ إلى أيوبَ في مكانِه: أن ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾. فاستبطَأَته، فتلقَّته تَنْظُرُ، وأقبَل عليها قد أذهَب اللهُ ما به من البلاءِ، وهو على أحسنِ ما كان، فلما رأَته


(١) ينظر ما تقدم في ١٦/ ٣٦٥ - ٣٦٧.
(٢) سقط من: ت ٢، ت ٣.
(٣) كذا بالنسخ؛ وفى معظم مصادر التخريج: "رجلين".