للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زَكَريا (١).

وقال آخرون: بل عَنَى اللهُ ﷿ بهذه الَايةِ مُشْرِكى قريشٍ، إذ مَنَعوا رسولَ اللهِ مِن المسجدِ الحرامِ.

ذِكْرُ مَن قال ذلك

حدَّثنى يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾. قال: هؤلاء المشركون حين حالُوا بينَ رسولِ اللهِ يومَ الحُدَيبيةِ وبينَ أن يَدْخُلَ مكةَ، حتى نحَر هديَه بذِى طُوًى وهادَنَهم، وقال لهم: "ما كان أحدٌ يُرَدُّ عن هذا البيتِ، وقد كان الرجلُ يَلْقَى قاتلَ أبيه أو أخيه فيه فما يصدُّه! " فقالوا: لا يَدْخلُ علينا مَن قتَل آباءَنا يومَ بدرٍ وفينا باقٍ. وفى قولِه: ﴿وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ قال (٢): إذا قطَعوا مَن يَعمُرُها بذِكْرِه، ويَأْتِيها للحجِّ والعمرةِ (٣).

وأوْلَى التأويلاتِ التى ذَكَرناها بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: عَنَى اللهُ ﷿ بقولِه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ النصارى، وذلك أنهم هم الذين سعَوا في خرابِ بيتِ المقدسِ، وأعانوا بُخْتَنَصَّرَ على ذلك، ومنَعوا مُؤْمنى بنى إسرائيلَ مِن الصلاةِ فيه بعدَ مُنْصرَفِ بختِنصَّرَ عنهم إلى بلادِه.

والدليلُ على صحةِ ما قلنا في ذلك، قيامُ الحُجةِ بأن لا قولَ في معنى هذه الآيةِ إلا أحدُ الأقوالِ الثلاثةِ التى ذكرناها، وأن لا مسجدَ عَنَى اللهُ ﷿ بقولِه: ﴿فِي


(١) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ٢١١ (١١١٦) عن أبى زرعة، عن عمرو بن حماد به.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "قالوا".
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ٢٢٤ عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٠٨ إلى المصنف.