للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَرَابِهَا﴾ إلا أحَدُ المَسجدَيْن، إما مَسْجدُ بيتِ المقدسِ، وإما المسجدُ الحرامُ. وإذ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أن مُشرِكى قريشٍ لم يَسْعَوا قَطُّ في تخريبِ المسجدِ الحرامِ، وإن كانوا قد منَعوا في بعضِ الأوقاتِ رسولَ اللهِ وأصحابَه مِن الصلاةِ فيه، صحَّ وثبَت أن الذين وصفَهم اللهُ ﷿ بالسعىِ في خرابِ مساجدِه، غيرُ الذين وصفَهم اللهُ بعمارتِها، إذ كان مُشْرِكو (١) قريشٍ هم (٢) بنَوا المسجدَ الحرامَ في الجاهليةِ، وبعِمارتِه كان افْتِخارُهم، وإن كان بعضُ أفعالِهم فيه كان منهم على غيرِ الوجهِ الذى يَرْضاه اللهُ منهم. وأُخرى أن الآيةَ التى قبلَ قولِه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾. مضَت بالخبرِ عن اليهودِ والنصارَى وذمِّ أفعالِهم، والتى بعدَها عقَّبَت (٣) بدمِّ النصارَى والخبرِ عن افترائِهم على ربِّهم، ولم يَجْرِ لقريشٍ ولا لمُشركى العربِ ذِكْرٌ، ولا للمسجدِ الحرامِ قبلَها، فيُوجَّهَ الخبرُ بقولِ اللهِ ﷿: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾. إليهم وإلى المسجدِ الحرامِ. وإذ كان ذلك كذلك، فالذى هو أوْلَى بالآيةِ أن يُوجَّهَ تأويلُها إليه، هو ما كان نَظيرَ قصةِ الآيةِ قبلَها والآيةِ بعدَها، إذ كان خبرُها لخبرِهما نظيرًا وشكلًا، إلا أن تقومَ حُجةٌ يجِبُ التسليمُ لها بخلافِ ذلك، وإن اتفَقت قصصُها فاشْتَبهت.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن ما قلنا في ذلك ليس كذلك -إذ كان المسلمون لم يَلْزمْهم قَطُّ فرضُ الصلاةِ في [مسجدِ بَيْتِ] (٤) المقدسِ فَمُنِعوا مِن الصلاةِ فيه،


(١) في م: "مشرك".
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) في م: "نبهت".
(٤) في م: "المسجد".