للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل أنزل اللهُ هذه الآيةَ قبلَ أن يَفْرِضَ على محمدٍ نبيِّه وعلى المؤمنين به، التوجُّهَ شَطْرَ المسجدِ الحرامِ، وإنما أنزلها عليه مُعْلِمًا نبيَّه بذلك وأصحابَه أن لهم التوجُّهَ بوجُوهِهم للصلاةِ حيث شاءوا مِن نواحى المشرقِ والمغربِ؛ لأنهم لا يُوجِّهون وُجوهَهم وَجْهًا مِن ذلك وناحيةً، إلَّا كان جلَّ ثناؤُه في ذلك الوجهِ وتلك الناحيةِ؛ لأنَّ له المشارقَ والمغاربَ، وأنه لا يَخْلو منه مكانٌ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة: ٧]. قالوا: ثم نَسَخَ ذلك بالفرضِ الذى فَرَضَ عليهم في التوجُّهِ شَطْرَ المسجدِ الحرامِ (١).

ذِكْرُ مَن قال ذلك

حَدَّثَنَا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: حَدَّثَنَا يزيدُ، قال: حَدَّثَنَا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾: ثم نسَخ ذلك بعدَ ذلك، فقال اللهُ: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (٢).

[وحَدَّثَنِي الحسنُ بنُ يحيى] (٣)، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرنا مَعْمرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾. قال: هى القِبلةُ، ثم نسَختها القِبلةُ إلى المسجدِ الحرامِ.


= الدر المنثور ١/ ١٠٨، ١٠٩.
(١) قال ابن كثير في تفسيره ١/ ٢٢٧ تعليقا على قول المصنّف هذا: هكذا قال، وفى قوله: "وإنه لا يخلو منه مكان". إن أراد علمه تعالى فصحيح، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات، وأما ذاته تعالي، فلا تكون محصورة في شيء من خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وهذا ما سيذكره المصنّف في تفسير الآية من سورة المجادلة.
(٢) أخرجه الترمذى (٢٩٥٨) من طريق يزيد به، وأخرجه ابن الجوزى في ناسخه ص ١٤٥ من طريق سعيد به نحوه. وأخرجه ابن الجوزى ص ١٤٦ من طريق شيبان، عن قتادة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٠٩ إلى عبد بن حميد.
(٣) في م: "حدثت عن الحسن".