للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناسخَ لا يكونُ إلا لمنسوخٍ (١)، ولم تَقُمْ حُجةٌ يَجِبُ التسليمُ لها بأن قولَه: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾. مَعْنِىٌّ به: فأينما تُوَلُّوا وجوهَكم فى صلاتِكم فثَمُّ قِبلتُكم. ولا أنها نزَلت بعدَ صلاةِ رسولِ اللهِ وأصحابِه نحوَ بيتِ المقدسِ، أمرًا مِن اللهِ لهم بها أن يَتَوجَّهوا نحوَ الكعبةِ، فيَجُوزَ أن يقالَ: هى ناسخةٌ الصلاةَ نحوَ بيتِ المقدسِ. إذ كان مِن أهلِ العلمِ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ وأئمةِ التابعين مَن يُنْكِرُ (٢) أن تكونَ نزَلت فى ذلك المعنى، ولا خبرَ عن رسولِ اللهِ ثابتٌ بأنها نزَلت فيه، وكان الاخْتلافُ فى أمرِها موجودًا على ما وَصَفْتُ. ولا هى -إذ لم تكنْ ناسخةً لِما وَصَفْنا- قامَت حُجتُها بأنها منسوخةٌ، إذ كانت مُحْتمِلةً ما وَصَفنا مِن أن تكونَ جاءت بعمومٍ و (٣) معناها فى حالٍ دونَ حالٍ -إن كان عُنِىَ بها التوجُّهُ فى الصلاةِ- وفى كلِّ حالٍ -إن كان عُنِىَ بها الدُّعاءُ- وغيرَ ذلك مِن المعانِى التى ذكَرنا.

وقد دَلَّلنا فى كتابِنا "كتابِ البيانِ عن أصولِ الأحكامِ"، على ألا ناسخَ فى آىِ القرآنِ وأخبارِ رسولِ اللهِ ، إلا ما نَفَى حكمًا ثابتًا، قد لزِم العِبادَ فرضُه، غيرَ مُحْتَمِلٍ ظاهرُه (٤) وباطنُه غيرَ ذلك، فأما ما احْتَمل غيرَ ذلك -مِن أن يكونَ بمَعْنى الاستثناءِ، أو الخصوصِ والعمومِ، أو المُجْمَلِ والمُفَسَّرِ- فمِن الناسخِ والمنسوخِ بمَعْزِلٍ، بما أغْنَى عن تكريرِه فى هذا الموضعِ. وألا منسوخَ إلا المَنْفىُّ الذى قد كان ثَبَت حُكمُه وفَرْضُه. ولم يَصِحَّ واحدٌ مِن هذين المعنيين لقولِه: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾. بحُجةٍ يَجِبُ التسليمُ لها، فيُقالَ فيه: هو ناسخٌ أو منسوخٌ.

وأما قولُه: ﴿فَأَيْنَمَا﴾. فإن مَعْناه: فحيثما.


(١) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بمنسوخ".
(٢) فى الأصل: "يمكن".
(٣) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أو".
(٤) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لظاهره".