واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ دخولِ ﴿مِنْ﴾ في قوله: ﴿حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾. والمعنى: حافِّين حولَ العرشِ. وفي قولِه: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥]؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: أُدْخِلَت "مِن" في هذين الموضعين توكيدًا، واللهُ أعلمُ، نحوَ قولِك: ما جاءني مِن أحدٍ.
وقال غيرُه:"قبل" و "حول" و ما أشبهَهما ظروفٌ تَدْخُلُ فيها "مِن" وتَخْرُجُ، نحوَ: أَتَيْتُك قبل زيدٍ، ومِن قبل زيدٍ، وطُفْنا حولَك، ومن حولِك. وليس ذلك مِن نوعِ: ما جاءنى مِن أحدٍ. لأن موضعَ "مِن" في قولِهم: ما جاءنى من أحدٍ. رفعٌ، وهو اسمٌ.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن ﴿مِنْ﴾ في هذه الأماكنِ، أعنى في قولِه: ﴿مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾. و ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾، وما أشْبَه ذلك، وإن كانت دخَلَت على الظروفِ، فإنها بمعنى التوكيدِ.
وقولُه: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾. يقولُ: يُصَلُّون حول عرشِ اللهِ؛ شكرًا له. والعربُ تُدْخِلُ الباءَ أحيانًا في التسبيحِ، وتَحْذِفُها أحيانًا، فتقولُ: سَبِّحْ بحمدِ اللهِ، وسبِّحْ حمدَ اللهِ. كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١].
وقال في موضعٍ آخرَ: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٤].
وقولُه: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾. يقولُ: وقضَى اللهُ بينَ النبيِّين الذين جيء بهم، والشهداءِ وأممِها بالعدلِ، فأسْكَن أهلَ الإيمانِ باللهِ وبما جاءت به رسلُه، الجنةَ، وأهلَ الكفرِ به وبما جاءت به رسلُه، النارَ.
﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. يقولُ: وخُتِمَت خاتمةُ القضاءِ بينَهم بالشكرِ للذى ابْتَدَأ خلقَهم، الذي له الأُلوهةٌ، وملكُ جميعِ ما في السماواتِ