للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقولُ في ذلك عندى نظيرُ القول في أخواتِها، وقد بيَّنا ذلك في قولِه: ﴿الم﴾، ففى ذلك كفايةٌ عن إعادته في هذا الموضعِ (١)، إذ كان القولُ في ﴿حم﴾، وجميعِ ما جاء في القرآن على هذا الوجهِ - أغنى حروف التَّهَجِّي - قولًا واحدًا.

وقولُه: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: مِن اللهِ العزيزِ في انتقامِه من أعدائِه، العليم بما تَعْمَلون مِن الأعمالِ وغيرِه (٢) تنزيلُ هذا الكتابِ. فالتنزيلُ مرفوعٌ بقولِه: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾.

وفي قولِه: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾. وجهان؛ أحدهما: أن يكونَ بمعنى: يَغْفِرُ ذنوبَ العبادِ. وإذا أُرِيد هذا المعنى كان خفضُ ﴿غَافِرِ﴾ و ﴿وَقَابِلِ﴾ مِن وجهين؛ أحدِهما: مِن نيةِ تكريرِ "من"، فيكونُ معنى الكلامِ حينَئذٍ: تنزيلُ الكتابِ من اللهِ العزيزِ العليمِ، من غافرِ الذنبِ وقابلِ التوب؛ لأن ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾ نكرةٌ، وليس بالأفصحِ أن يكونَ نعتًا للمعرفةِ وهو نكرةٌ.

والآخرِ: أن يكونَ أُجْرِى في إعرابِه، وهو نكرةٌ، على إعرابِ الأولِ، كالنعتِ له، لوقوعِه بينَه وبينَ قوله: ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾، وهو معرفةٌ. وقد يَجوزُ أن يكونَ أُتبِع إعرابُه، وهو نكرةٌ، إعرابَ الأولِ، إذ كان مدحًا، وكان المدحُ يُتْبَعُ إعرابُه ما قبلَه أحيانًا، ويُعْدَلُ به عن إعرابِ الأوّلِ أحيانًا، بالنصبِ والرفعِ، كما قال الشاعرُ (٣):

لا يَبْعَدَنْ قومى الذين هُمُ … سَمُّ العُداة وآفةُ الجُزْرِ

النازلين بكلِّ مُعْتَرَكٍ … والطَّيِّبِين مَعاقِدَ الأَزْرِ


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٠٤ - ٢٢٨.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "غيرها".
• من هنا خرم بالمخطوط الأصل ينتهي في ص ٣٢٢.
(٣) البيتان لخرنق بنت بدر بن هفان، وقد تقدم تخريجهما في ١/ ٣٤٦.