للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٤ - ١٦]. فرفَع ﴿فَعَّالٌ﴾ وهو نكرةٌ محضةٌ، وأُتْبِع إعرابَ (١) ﴿الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾.

والآخرُ: أن يكونَ معناه أن ذلك مِن صفتِه تعالى ذكرُه، إذ كان [لم يَزَلْ] (٢) لذنوبِ العبادِ غفورًا مِن قبلِ نزولِ هذه الآيةِ، وفى حالِ نزولِها، ومن بعدِ ذلك، فيكونَ عندَ ذلك معرفةً صحيحةً، ونعنًا على الصحةِ. وقال: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾، ولم يَقُلِ: "الذنوب". لأنه أُرِيد به الفعلُ.

وأما قولُه: ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾. فإن التوبَ قد يكونُ جمعَ توبةٍ، كما يُجْمَعُ الدَّوْمةُ دَوْمًا، والعَومةُ عَوْمًا، مِن عَومةِ السفينةِ، كما قال الشاعرُ (٣):

* عَوْمَ السَّفِينِ فلمَّا حالَ دونَهمُ *

وقد يكونُ مصدرَ (٤): تاب يَتوبُ توبًا.

وقد حدَّثني محمدُ بنُ عبيدٍ المُحاربيُّ، قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ، عن أبي إسحاقَ، قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ، فقال: إنى قتَلْتُ، فهل لي من توبةٍ؟ قال: نعم، اعْمَلْ ولا تَيْأَسْ. ثم قرَأ: ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ (٥).


(١) في ت ١: "إعرابه".
(٢) سقط من: ت ٢، ت ٣.
(٣) صدر بيت لزهير بن أبي سلمى، وعجزه: * فيد القريات فالعتكان فالكرم *
وهو في شرح ديوانه ص ١٤٨.
(٤) في ص، ت ٣: "مصدرا".
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في تفسير ابن كثير ٧/ ١١٨ - من طريق أبي بكر بن عياش به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٤٥ إلى ابن المنذر.