للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطابِ (١):

قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غادَرْتَ بعدَها … بوَائِقَ في أكْمامِها لم تَفَتَّقِ

ويُروَى: بوائجَ (٢).

وأما قولُه: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. فإنه يَعْنى بذلك: وإذا أحْكَم أمرًا فحَتَمه فإنما يَقولُ له: كُنْ. فيكونُ ذلك الأمرُ على ما أمرَه اللهُ أن يكونَ وأرادَه.

فإنْ قال لنا قائلٌ: وما معنى قولِه: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾؟ وفى أىِّ حالٍ يقولُ للأمرِ الذى يَقْضِيه: كُنْ. أفى حال عدمِه -وتلك حالٌ لا يَجوزُ أمرُه، إذ كان مُحالًا أن يُؤْمرَ إلا مأمورٌ، فإذا لم يكنِ المأمورُ، اسْتَحال الأمرُ، كما محالٌ الأمرُ مِن غيرِ آمرٍ، فكذلك محالٌ الأمرُ مِن آمرٍ إلا لمأْمورٍ- أم يقولُ ذلك له في حالِ وجودِه، وتلك حالٌ لا يجوزُ أمرُه فيها بالحدوثِ؛ لأنه حادِثٌ موجودٌ، ولا يُقالُ للموجودِ: كُنْ موجودًا. إلا بغيرِ مَعْنَى الأمرِ بحدوثِ عَينِه؟.

قيل: قد تَنازَع المتأوِّلون معنى ذلك، ونحن مُخْبِرون بما قالوا فيه، والعللِ التى بها اعتلَّ كلُّ قائلٍ (٣) منهم لِقولِه في ذلك، فقال بعضهم: ذلك خبرٌ مِن اللهِ عن أمرِه المحتومِ -على وجهِ القضاءِ لمن قضَى عليه قضاءً مِن خلقِه الموجود- أنه إذا أمرَه بأمرٍ نفَذ فيه قضاؤُه، ومضى فيه أمرُه. نَظِيرُ أمرِه مَن أمَر مِن بنى إسرائيلَ بأن يكونوا قِرَدةَ خاسِئين، وهم موجودون في حالِ أمرِه إيَّاهم بذلك، وحَتْمِ قضائِه عليهم بما


(١) طبقات فحول الشعراء ١/ ١٣٣، وتأويل مشكل القرآن ص ٣٤٣، وزهر الآداب ٢/ ٩٦٨، وقد نسب البيت إلى الشماخ، والى أخيه جزء، ونسبوه أيضًا إلى الجن.
(٢) البوائج: جمع بائجة، وهى الداهية. التاج (ب و ج).
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فريق".