للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضَى فيهم، وكالذى خسَف به وبدارِه الأرضَ، وما أشْبَه ذلك مِن أمرِه وقضائِه، في من كان موجودًا مِن خلقِه في حالِ أمرِه المحتومِ عليه. فوجَّه قائِلو هذا القولِ قولَه: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. إلى الخصوصِ دونَ العمومِ.

وقال آخرون: بل الآيةُ عامٌّ ظاهِرُها، فليس لأحدٍ أن يُحِيلَها إلى باطنٍ بغيرِ حُجَّةٍ يجبُ التسليمُ لها. وقالوا: إن اللهَ جلَّ ثناؤُه عالمٌ بكلِّ ما هو كائنٌ قبلَ كونِه، فلما كان ذلك كذلك، كانت الأشياءُ التى لم تَكُن -وهى كائنةٌ، لعلمِه بها قبل كونِها- نَظائرَ التى هى موجودةٌ، فجاز أن يَقولَ لها: كونى. ويَأمرَها بالخروجِ مِن حالِ العدمِ إلى حالِ الوجودِ، لتَصوُّرِ جميعِها له، ولعلمِه بها في حالِ العدمِ.

وقال آخرون: بل الآيةُ وإن كان ظاهِرُها ظاهِرَ عمومٍ، فتأويلُها الخصوصُ؛ لأن الأمرَ غيرُ جائزٍ إلا لمأمورٍ على ما وصَفْتُ قبلُ. قالوا: وإذْ كان ذلك كذلك، فالآيةُ تأويلُها: وإذا قضى أمرًا؛ من إحياءِ مَيِّتٍ، أو إماتةِ حىٍّ، ونحوِ ذلك، فإنما يقولُ للحى: كُنْ (١) مَيتًا. وللميتِ: كُنْ حيًّا. وما أشْبَه ذلك مِن الأمرِ.

وقال آخرون: بل ذلك مِن اللهِ جلّ ثناؤُه خبرٌ عن جميعِ ما يُنْشِئُه ويُكَوِّنُه، أنه إذا قضاه وخلَقه وأنشَأه كان ووُجِدَ. ولا قولَ هنالك عندَ قائلى هذه المقالةِ إلا وجودُ المخلوقِ، وحدوثُ المَقْضىِّ. وقالوا: إنما قولُ اللهِ: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. نَظيرُ قولِ القائلِ: قال فلانٌ برأْسِه، وقال بيدِه. إذا حرَّك رأسَه وأوْمأ بيدِه، ولم يَقُلْ شيئًا. وكما قال أبو النَّجْمِ (٢):


(١) في الأصل: "كان".
(٢) اللسان (ح ن ق).