للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه الكِفايةُ إن شاء اللهُ.

وإذْ كان الأمرُ فى قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. هو ما وصَفْنا، مِن أن حالَ أمْرِه الشئَ بالوجودِ حالُ وجودِ المأمورِ بالوجودِ، فَبَيِّنٌ (١) بذلك أن الذى هو أولى بقولِه: ﴿فَيَكُونُ﴾. [أن يكونَ رفعًا] (٢) على العطفِ على قولِه: ﴿يَقُولُ﴾. لأن القولَ والكونَ حالُهما واحدةٌ. وهو نظيرُ قولِ القائلِ: تاب فلانٌ فاهْتَدَى، واهْتَدَى فلانٌ فتاب. لأنه لا يكونُ تائبًا إلا وهو مُهْتَدٍ، ولا مُهْتَدِيًا إلا وهو تائبٌ. فكذلك لا يكونُ أن يَكونَ اللهُ آمِرًا شيئًا بالوجودِ إلا وهو موجودٌ، ولا موجودًا إلا وهو آمِرُه بالوجودِ.

ولذلك اسْتَجاز مَن استجاز نَصْبَ (فيكونَ) مَن قرَأ: (إنما قولُنا لشيءٍ إذا أرَدْناه أن نقولَ له كنْ فيكونَ) (٣) [النحل: ٤٠]. بالمعنى الذى وصَفْنا على معنى: أن نقولَ فيكونَ.

وأمَّا رَفْعُ مَن رفَع ذلك، فإنه رأَى أن الخبرَ قد تمَّ عندَ قولِه: ﴿إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ﴾. إذ كان معلومًا أن اللهَ إذا حتَم قضاءَه على شيءٍ، كان المحتومُ عليه موجودًا، ثم ابْتَدَأ بقولِه: ﴿فَيَكُونُ﴾. كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ [الحج: ٥]. وكما قال ابنُ أحْمرَ (٤):

يُعالِجُ عاقِرًا أَعْيَتْ علَيه … لِيُلْقِحَها فيَنْتِجُها حُوَارَا (٥)


(١) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فتبين".
(٢) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "رفع".
(٣) النصب والرفع قراءتان سيأتى تخريجهما فى موضعه من التفسير.
(٤) المعانى الكبير ٢/ ٨٤٦، والكتاب ٣/ ٥٤.
(٥) الحوار: ولد الناقة ساعة تضعه أمه خاصة. التاج (ح و ر).