للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقولُ إذا دَرَأْتُ (١) لها وَضِينِى (٢) … أهذا دِينُه أبدًا ودِينِى (٣)

وما أشْبَهَ ذلك، فإنهم لا صوابَ اللغةِ أصابوا، ولا كتابَ اللهِ وما دلَّت على صحتِه الأدلةُ اتَّبَعُوا، فيُقالُ لقائلى ذلك: إن اللهَ تعالى ذكرُه أخْبَر عن نفسِه أنه إذا قضَى أمرًا قال له: كُنْ. أفتُنْكِرون أن يكونَ قائلًا ذلك؟ فإن أنْكَروه كذَّبوا بالقرآنِ، وخرَجوا مِن الملةِ.

وإن قالوا: بل نُقِرُّ به، ولكنا نَزْعُمُ أن ذلك نظيرُ قولِ القائلِ: قال الحائطُ فمال. ولا قولَ هنالك، وإنما ذلك خبرٌ عن مَيْلِ الحائطِ.

قيل لهم: أفتُجِيزون للمُخْبِرِ عن الحائطِ بالمَيْلِ أن يقولَ: إنما قولُ الحائطِ إذا أراد أن يَميلَ أن يقولَ هكذا فيَمِيلَ؟

فإن أجازوا ذلك، خرَجوا مِن معروفِ كلامِ العربِ، وخالفُوا مَنْطِقَها وما يُعْرَفُ فى لسانِها.

وإن قالوا: ذلك غيرُ جائزٍ. قيل لهم: إن اللهَ تعالى ذكرُه أخْبرَ (٤) عن نفسِه أن قولَه للشئِ إذا أراده أن يقولَ له: كُنْ. فيكونُ. فأعْلَم عبادَه قولَه الذى يكونُ به الشئُ، ووصَفه ووكَّده. وذلك عندَكم غيرُ جائزٍ فى العبارةِ عما لا كلامَ له ولا بيانَ، فى مثلِ قولِ القائلِ: قال الحائطُ فمال. فكيف لم تَعْلَموا بذلك فَرْقَ ما بينَ قولِ اللهِ: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. وقولِ القائلِ: قال الحائطُ فمال؟ وللبيانِ عن فسادِ هذه المَقالةِ موضعٌ غيرُ هذا، نَأْتِى فيه على القولِ بما


(١) درأت وضين البعير: إذا بسطه على الأرض ثم أبركته عليه لتشده به. التاج (د ر أ).
(٢) الوضين: بطان عريض منسوج من سيور أو شعر. اللسان (و ض ن).
(٣) الدين: العادة. اللسان (د ى ن).
(٤) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أخبرهم".