للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وقلْ لهم يا محمدُ: وأمرني ربى أن أعْدِلَ بينكم معشرَ الأحزابِ، فأَسِيرَ فيكم جميعًا بالحقِّ الذي أمَرَنى به، وبعَثَنى بالدعاءِ إليه.

كالذي حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾. قال: أُمِر نبيُّ اللهِ أن يَعْدِلَ، فعدل حتى مات صلواتُ اللهِ عليه والعدلُ ميزانُ اللهِ في الأرضِ، به يُأخُذُ (١) للمظلومِ مِن الظالم، وللضعيفِ من الشديدِ، وبالعدل يُصَدِّقُ اللهُ الصادقَ، ويُكَذِّبُ الكاذبَ، وبالعدلِ يَرُدُّ المعتدىَ ويُوَبِّخُه (٢). ذُكِر لنا أن [نبيَّ اللهِ داودَ ما كان يقولُ] (٣): ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه أَعْجَبَنى (٤) جدًّا؛ القصدُ في الفاقةِ والغِنَى، والعدلُ في الرضا والغضبِ، والخشيةُ في السرِّ والعَلانيةِ، وثلاثٌ مَن كُنَّ فيه أَهْلَكْنَه؛ شُحٌ مُطَاعٌ، وهَوَى مُتَّبَعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِه، وأربعٌ مَن أُعْطِيهن فقد أُعْطِى خيرَ الدنيا والآخرة؛ لسانٌ ذاكرٌ، وقلبٌ شاكرٌ، وبدنٌ صابرٌ، وزوجةٌ مؤمنةٌ (٥).

واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في معنى اللامِ التي في قولِه: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾. فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: معناها: "كى"، وأُمِرْتُ كى أَعْدِلَ. وقال غيرُه: معنى الكلامِ وأُمِرْتُ بالعدلِ. والأمرُ واقعٌ على ما بعدَه، وليست اللامُ التي في ﴿لِأَعْدِلَ﴾ بشرط. قال: ﴿وَأُمِرْتُ﴾ تَقَعُ على "أن"، وعلى "كى" واللام؛ أُمِرْتُ أَن أَعْبُدَ، وكى أَعْبُدَ، ولأَعْبُدَ. قال: وكذلك كلُّ ما طالَب الاستقبالُ ففيه (٦) هذه الأوجهِ الثلاثة.


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يؤخذ".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤ إلى المصنف وعبد بن حميد.
(٣) في الأصل: "رسول الله قال".
(٤) في مصدر التخريج: (أعجنني).
(٥) أخرجه معمر في جامعه ١١/ ٣٠٤ قتادة به.
(٦) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ففي".