للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باللهِ، وجُرْأتَهم على أنبيائِهم (١)، ثم قال لنبيِّه : إنا أرسلناك يا محمدُ بشيرًا مَن آمَن بك واتبعك، ممن قَصَصتُ عليك أنباءَه ومَن لم أقْصُصْ عليك أنباءَه، ونذيرًا مَن كفَر بك وخالفَك. فبَلِّغْ رسالتى، فليس عليك مِن أعمالِ مَن كفَر بك -بعدَ إبلاغِك إياه رسالتى- تَبِعةٌ، ولا أنت مسئولٌ عما عمِل (٢) بعدَ ذلك. ولم يَجْرِ لمسألةِ رسولِ اللهِ ربَّه عن أصحابِ الجحيمِ ذِكْرٌ فيكونَ لقولِه: (ولا تَسْألْ عن أصحابِ الجحيمِ). وجهٌ يُوَجَّهُ إليه. وإنما الكلامُ موجَّهٌ معناه إلى ما دلَّ عليه ظاهرُه المفهومُ، حتى تأتىَ دلالةٌ بينةٌ تَقومُ بها الحجةُ على أنا المرادَ به غيرُ ما دلَّ عليه ظاهرُه، فيكونَ حينَئذٍ مُسلَّمًا للحجةِ الثابتةِ بذلك. ولا خبرَ تَقومُ به الحجةُ على أن النبىَّ نُهِىَ عن أن يَسْألَ في هذه الآيةِ عن أصحابِ الجحيمِ، ولا دلالةَ تدلُّ على أن ذلك كذلك في ظاهرِ التنزيلِ. فالواجبُ أن يكونَ تأويلُ ذلك الخبرَ عمّا (٣) مَضَى ذِكْرُه قبلَ هذه الآيةِ، وعمَّن ذكَره بعدَها مِن اليهودِ والنصارى وغيرِهم مِن أهلِ الكفرِ، دونَ النهىِ عن المسألةِ عنهم.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن الخبرَ الذى رُوِىَ عن محمدِ بنِ كعبٍ صحيحٌ، فإن في استحالةِ الشكِّ مِن الرسولِ -في أن أهلَ الشركِ مِن أهلِ الجحيم، وأن أبويه كانا منهم- ما يَدْفعُ صحةَ ما قاله محمدُ بنُ كعبٍ، إن كان الخبرُ عنه صَحيحًا. مع أن في ابتداءِ اللهِ الخبرَ بعدَ قولِه: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾. بالواوِ، بقولِه: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾. وتركِه وَصْلَ ذلك بأولِه بالفاءِ، وأن يقولَ (٤): إنا أَرسْلناك بالحقِّ بشيرًا وتذيرًا فلا (٥) تَسْأَلْ عن أصحابِ الجحيمِ -أوضحَ


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أنبيائه".
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فعل".
(٣) في م: "على ما".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يكون".
(٥) في م: "ولا".