للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به ونهاهم، ﴿صَفْحًا﴾، لا نذكرُ لكم منه شيئًا (١).

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويلُ من تأوّله: أفنَضْرِبُ عنكم العذاب فنترككم ونُعرِضَ عنكم؛ لأن كنتم قومًا مشركين (٢)، لا تؤمنون بربِّكم.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية؛ لأن الله أتبع ذلك خبره عن الأمم السالفة قبل الأمة (٣) التي توعَّدها بهذه الآية في تكذيبها رسلها، وما أحلَّ بها من نقمته، ففى ذلك دليل على أن قوله: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ وعيدٌ منه للمخاطبين به من أهل الشرك، إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم.

واختلفت القرأَةُ في قراءة ذلك؛ فقرأَتْه عامة قرأة المدينة والكوفة: (إِنْ كُنتُمْ قومًا مُسرفين) بكسر الألف من "إن" (٤) بمعنى: أفنَضْرِبُ عنكم الذكر صفحًا إذ كنتم قومًا مسرفين. وقرأه بعضُ قرأَةِ (٥) أهل مكة والكوفة، وعامةُ قرأَةِ البصرة: ﴿أَنْ﴾ بفتح الألف من ﴿أَنْ﴾ (٦)، بمعنى: لأن كنتم.

واختلف أهلُ العربية في وجه فتح الألف من ﴿أَنْ﴾ في هذا الموضع؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرة: فُتحت لأن معنى الكلام: لأن كنتم.

وقال بعض نحويى الكوفة (٧): مَن فَتحها فكأنه أراد شيئًا ماضيًا. قال: وأنت


(١) ذكره القرطبي في تفسيره ١٦/ ٦٢.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "مسرفين".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الأمم".
(٤) هي قراءة نافع وحمزة والكسائى. ينظر حجة القراءات ص ٦٤٤.
(٥) بعده في الأصل: "الأمصار".
(٦) هي قراءة عاصم وأبى عمرو وابن عامر وحمزة. ينظر الحجة، الموضع السابق.
(٧) الفراء في معاني القرآن ٣/ ٢٧، ٢٨.