عليه؟ فقال: لا. فقلتُ له: فقُرئَ عليه وأنت حاضرٌ فأَقرَّ بِهِ؟ فقال: لا. فقلتُ له: فمن أين جئتَ به؟ قال: جاءني به قومٌ فعرَضوه عليّ، وقالوا لي: اسمعْه منا. فقرءُوه عليَّ، ثم ذهبوا، فحدَّثوا به عنى. أو كما قال، فلِمَا ذكَرْتُ من ذلك لم أشهدْ له بالصِّحةِ.
وإنما قلتُ: القولُ الذي قاله عبد الله بن مسعودٍ هو أولى بتأويلِ الآيةِ؛ لأنَّ اللَّهَ جلّ ثناؤه توعد بالدُّخَانِ مشركي قريشٍ، وأن قوله لنبيِّه محمدٍ ﷺ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾. في سياقِ خطابِ اللَّهِ كفارِ قريشٍ وتقريعه إياهم بشركهم بقولِه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ [الدخان: ٨، ٩]. ثم أَتْبع ذلك قولَه لنبيِّه ﵊: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ - أمرًا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأشه، وتهديدا للمشركين، فهو بأن يكون إذ كان وعيدا لهم قد أحَلَّه بهم، أشبه مِن أنْ يكونَ أَخَرَه عنهم لغيرهم.
وبعد، فإنه غيرُ مُنكَرٍ أن يكونَ أحلَّ بالكفارِ الذين توعَّدهم بهذا الوعيدِ ما توعَّدهم، ويكونَ مُحِلًّا فيما يُستأنف بعد بآخرين دُخَانًا، على ما جاءت به الأخبارُ عن رسول الله ﷺ عندَنا كذلك؛ لأن الأخبارَ عن رسولِ الله ﷺ قد تَظَاهَرَتْ بأن ذلك كائنٌ، فإنه قد كان ما رَوى عنه عبدُ اللَّهِ بن مسعودٍ، فكلا الخبَرين اللذَين رُويا عن رسولِ اللَّهِ ﷺ صحيح. وإن كان تأويلُ الآيةِ في هذا الموضعِ ما قلنا.
فإذ كان الذي قلنا في ذلك أولى التأويلينِ، فبيِّنٌ أن معناه: فانتظر يا محمدُ لمشركي قومِك يومَ تأتيهم السماءُ مِن البلاء الذي يحُلُّ بهم على كفرِهم، بمثلِ الدُّخان المُبِيِن لمن تأمَّله أنه دُخانٌ.
﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾. يقولُ: يغشى أبصارَهم من الجَهْدِ الذي يُصِيبُهم،