فقال بعضُ نحويِّى البصرة: نُصب "اللسانُ" و "العربيُّ"؛ لأنَّه من صفة "الكتابِ"، فانتَصَب على الحالِ، أو على فعل مُضْمَرٍ، كأنه قال: أعنى لسانا عربيا، قال: وقال بعضُهم: على: ﴿مُصَدِّقٌ﴾، جعَل الكتابَ مُصَدِّقَ اللسان، فعلى قول مَن جعَل اللسان نصبًا على الحالِ، وجعَله من صفة الكتابِ، ينبغى أن يكون تأويل الكلام: وهذا كتاب بلسان عربيٍّ، مُصَدِّقُ التوراة كتاب موسى، بأن محمدًا الله رسولٌ، وأن ما جاء به من عند الله حقٌّ، وأما القولُ الثاني الذي حكيناه عن بعضهم أنه جعل الناصب للسانِ ﴿مُصَدِّقٌ﴾، فقول لا معنى له؛ لأن ذلك يصيرُ إِذا يُؤَوَّلُ كذلك، إلى أن الذي يصدِّقُ القرآن نفسُه، ولا معنى لأن يُقالَ: وهذا كتابٌ يُصَدِّقُ نفسه. لأن اللسان العربيَّ هو هذا الكتابُ، إلا أن يُجعل اللسان العربيُّ محمدا ﵇، ويُوجَّهَ تأويلُه إلى: وهذا كتابٌ، وهو القرآنُ، يصدقُ محمدًا، وهو اللسان العربيُّ، فيكون ذلك وجها من التأويل.
وقال بعض نحويِّي الكوفة: قوله: ﴿لِسَانًا عَرَبيًّا﴾، من نعتِ "الكتاب"، وإنما نُصب لأنَّه أُريدَ به: وهذا كتابٌ يُصدِّقُ التوراة والإنجيل لسانًا عربيًا، فخرج ﴿لِسَانًا عَرَبِيًّا﴾ من "يُصَدِّقُ"؛ لأنَّه فعلٌ، كما تقولُ: مَرَرْتُ برجلٍ يقومُ مُحْسِنًا، ومررتُ برجلٍ قائمٍ مُحْسِنًا، قال: ولو رفع "لسانٌ عربيٌّ"، جاز على النعت لـ "الكتاب".
وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود:(وهذا كتابٌ مُصَدِّقٌ لِما بين يديه لسانًا عربيًّا)(١) فعلى هذه القراءةِ يتوجّه النصب في قوله: ﴿لِسَانًا عَرَبِيًّا﴾ مِن وجهين؛ أحدهما، على ما بيَّنتُ مِن أن يكون اللسانُ خارجًا مِن قوله: ﴿مُصَدِّقٌ﴾، والآخرُ، أن يكون قطعًا من "الهاء" التي في (بينَ يدَيه).
(١) والقراءة شاذة، ينظر معاني القرآن للفراء ٣/ ٥١.