والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن يكونَ منصوبًا على أنه حالٌ مما في ﴿مُصَدِّقُ﴾ من ذكرِ الكتابِ؛ لأن قوله: ﴿مُصَدِّقٌ﴾ فعلٌ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: وهذا القرآنُ يُصَدِّقُ كتاب موسى بأن محمدًا نبي مرسلٌ، لسانًا عربيًّا.
وقوله: ﴿ليُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، يقولُ: لينذِرَ هذا الكتابُ الذي أنزلناه إلى محمدٍ ﵊، الذين ظلموا أنفسهم بكفرِهم بالله، بعبادتهم غيره.
وقوله: ﴿وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾، يقولُ: وهو بُشْرَى للذين أطاعُوا اللَّهَ، فأحسَنوا في إيمانهم وطاعتهم إيَّاه في الدنيا، فحسُن الجزاء مِن الله لهم في الآخرة على طاعتهم إياه.
وفى قوله: ﴿وَبُشْرَى﴾ وجهان مِن الإعرابِ؛ الرفع على العطف على الكتاب بمعنى: وهذا كتابٌ مُصَدِّقٌ وبُشْرَى للمُحْسِنين، والنصب على معنى: ليُنْذِرَ الذين ظلموا ويُبَشِّرَ، فإذا جُعِل مكانَ "يُبَشِّرَ""وبُشْرَى" أو "وبشارةً" نُصبَتْ، كما تقولُ: أَتيتُك لأَزُورَك وكرامةً لك وقضاءً لحقِّك، بمعنى: لأَزُورَك وأُكرِمَك وأقضىَ حقَّك، فتُنصَبُ الكرامة والقضاءُ بمعنًى مضمرٍ.
واختلَفت القرأة في قراءة: ﴿ليُنذِرَ﴾؛ فقرأ ذلك عامة قرأةِ الحجازِ:(لِتُنْذِرَ) بالتاء، بمعنى: لتنذرَ أنت يا محمد، وقرأته عامة قرأة العراق بالياء؛ بمعنى: ليُنذر الكتابُ (١)، وبأى القراءتين قرَأ ذلك القارئُ فمُصيبٌ.
(١) قراءة التاء قرأ بها نافع وابن كثير - في رواية البزى - وابن عامر، وقراءة الياء قرأ بها ابن كثير - في رواية قنبل - وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي، السبعة لابن مجاهد ص ٥٩٦، والتيسير ص ١٦١.