لبنٍ لم يتغيَّرْ طعمُه؛ لأنه لم يُحْلَبُ من حيوانٍ فيتغيَّر طعمُه بالخروجِ من الضُّروعِ، ولكنه خلَقه اللهُ ابتداءً في الأنهارِ، فهو بهيئتِه لم يتغيَّر عما خلَقه عليه.
وقولُه: ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾. يقولُ: وفيها أنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين يلتذُّون بشربِها.
كما حدَّثني عيسى، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا مصعبٌ، عن سعدِ بن طريفٍ، قال: سأَلت عنها الحارثَ، فقال: لم تَدُسْه المجوسُ، ولم ينفُخُ فيه الشيطانُ، ولم تؤذِها شمسٌ، ولكنها فَوْحَاءُ. قال: قلتُ لعكرمةَ: ما الفوحاءُ؟ قال: الصفراءُ.
وكما حدثني سعدُ بنُ عبدِ اللهِ بن عبدِ الحكمِ، قال: ثنا حفصُ بنُ عمرَ، قال: ثنا الحكمُ بنُ أبانٍ، عن عكرمةَ في قولِه: ﴿مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾. قال: لم يُحلَبْ (١).
وخُفِضت "اللذةُ" على النعتِ "للخمرِ"، ولو جاءت رفعًا على النعتِ "للأنهار" جاز، أو نصبًا على: يتلذَّذُ بها لذَّةً. كما يقالُ: هذا لك هبةً. كان جائزًا؛ فأما القراءةُ فلا أستجيزُها فيها إلا خفضًا؛ لإجماعِ الحجةِ من القرأةِ عليها.
وقولُه: ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾. يقولُ: وفيها أنهارٌ من عسلٍ قد صُفِّي من القَذَى وما يكونُ في عسلِ أهل الدنيا قبلَ التصفيةِ. وإنما أعلَم تعالى ذكرُه عبادَه بوصفِه ذلك العسلَ بأنه مُصَفًّى، أنه خُلِق في الأنهارِ ابتداءً سائلًا جاريًا سيلَ الماءِ واللبنِ المخلوقَينِ فيها، فهو من أجلِ ذلك مُصفًّى، قد صفَّاه اللهُ من الأقذاءِ التي تكونُ في عسلِ أهلِ الدنيا، الذي لا يصفو من الأقذاءِ إلا بعدَ التصفيةِ؛ لأنه كان في شمعٍ فصُفِّى منه.
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤٩ إلى المصنف وعبد بن حميد عن عكرمة، عن ابن عباس.