للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ومن فعَل ما نَهَيْنا عنه، وتقدَّم على مَعْصيتِنا بعدَ إيمانِه، فسَخِرَ من المؤمنين، ولَمز أخاه المؤمنَ، ونَبَزه بالألقابِ - فهو فاسقٌ، ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾. يقولُ: فلا تفعَلوا ذلك (١) فتَستحِقُوا إن فعلتُموه أن تُسَمَّوا فُسَّاقًا، بئسَ الاسمُ الفسوقُ. وترَك ذِكْرَ ما وصَفْنا من الكلامِ؛ اكتفاءً بدلالةِ قولِه: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ﴾. عليه.

وكان ابنُ زيدٍ يقولُ في ذلك، ما حدَّثنا به يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ، وقرَأ: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ﴾. قال: بئس الاسمُ الفسوقُ حينَ تُسَمِّيه بالفسقِ بعدَ الإسلامِ، وهو على الإسلامِ. قال: وأهلُ هذا الرأيِ هم المعتزلةُ، قالوا: لا نُكَفِّرُه كما كَفَّرَه أهلُ الأهواءِ، ولا نقولُ له: مؤمنٌ، كما قالت الجماعةُ، ولكِنَّا نُسمِّيه باسمِه، إن كان سارقًا فهو سارقٌ، وإن كان خائنًا سَمَّوْه خائنًا، وإن كان زانيًا سَمَّوْه زانيًا. قال: فاعْتَزلوا الفريقين؛ أهل الأهواءِ وأهلَ الجماعةِ، فلا بقولِ هؤلاءِ قالوا، ولا بقولِ هؤلاءِ، فسُمُّوا بذلك المعتزلةَ.

فوجَّه ابنُ زيدٍ تأويلَ قولِه: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ﴾. إلى من دُعِي فاسِقًا، وهو تائبٌ من فِسْقِه، فبئسَ الاسمُ ذلك له مِن أسمائِه. وغيرٌ ذلك من التأويلِ أولى بالكلامِ، وذلك أن اللَّهَ تقدَّم بالنَّهْيِ عما تقدَّم بالنَّهْيِ عنه في أوَّلِ هذه الآيةِ، فالذي هو أولى أن يختمَها بالوعيدِ لمَن تقدَّم على نَهْيِه (٢)، أو بقبيحِ ركوبِه ما رَكِب مما (٣) نهَى عنه، لا بالخبرِ (٤) عن قُبحِ ما كان التائبُ أتاه قبلَ توبتِه، إذ كانت الآيةُ لم تُفْتَتَحْ


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بغيه".
(٣) في الأصل: "ما".
(٤) في م: "أن يخبر".