للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: إن اللَّهَ هو الرزاقُ خلقَه، المُتَكَفِّلُ بأقواتِهم ﴿ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾.

اختَلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿الْمَتِينُ﴾؛ فقرأَته عامةُ قرأةِ الأمصارِ خلا يحيى بنِ وثابٍ والأعمشِ: ﴿ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ رفعًا، بمعنى: ذو القوةِ الشديدُ، فجعَلوا "المتين" مِن نعتِ "ذى"، ووجَّهوه إلى وصفِ (١) اللَّهِ به. وقرَأه يحيى والأعمشُ: (المَتِين) خفضًا (٢)، فجعَلاه مِن نعتِ «القوةِ»، وإنما اسْتَجاز خفضَ ذلك مَن قرَأَه بالخفضِ، ويُصَيِّرُه مِن نعتِ القوةِ، والقوةُ مؤنثةٌ، والمتينُ في لفظٍ مذكرٍ؛ لأنه ذهَب بالقوةِ [إلى القوةِ] (٣) مِن قُوَى الحبلِ والشيءِ المفتولِ (٤) المُبْرَمِ الفَتْلِ، فكأنه قال على هذا المذهبِ: ذو الحبلِ القويِّ. وذكَر الفرَّاءُ أن بعضَ العربِ أَنْشَدَه (٥):

لكلِّ دهرٍ قد لبِسْتُ أَثْؤُبا

من رَيْطةٍ واليُمْنَةَ المُعَصَّبا

فجعَل "المُعَصَّبَ" نعتَ "اليُمْنةِ"، وهي مؤنثةٌ في اللفظِ؛ لأن "اليمنةَ" ضربٌ وصنفٌ مِن الثيابِ، فذهَب بها إليه.

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندَنا: ﴿ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ رفعًا على أنه من صفةِ اللَّهِ جلَّ ثناؤُه؛ لإجماعِ الحجةِ من القرأةِ عليها، وأنه لو كان من نعتِ القوةِ،


(١) في الأصل: "وجه".
(٢) وهي قراءة شاذة، ينظر البحر المحيط ٨/ ١٤٣، وإتحاف فضلاء البشر ٢٤٧.
(٣) سقط من: م
(٤) سقط من: ص، م، ت ٢، ت ٣، وفي ت ١: "المتبرم".
(٥) البيتان في معاني القرآن للفراء ٣/ ٩٠.