للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إرمَ بنِ عَوْصِ بن سامِ بنِ نوحٍ، وهم الذين أهلَكهم اللَّهُ بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ، وإيَّاهم عنَى بقولِه: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ﴾ [الفجر: ٦، ٧].

واختلفتِ القرأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأتْه عامةُ قرأَةِ المدينةِ وبعضُ قرأَةِ البصرةِ: (عادًا لُّولَى) بتركِ الهمزِ، وجزمِ النونِ (١)، حتى صارت اللامُ في ﴿الْأُولَى﴾ كأنَّها لامٌ مُثقَّلةٌ، والعربُ تَفْعَلُ ذلك في مثلِ هذا، حُكِي عنها سماعًا منهم: قُمْ لَانَ عنا. يريدُ: قُمِ الآنَ. جزَموا الميمَ لما حُرِّكت اللامُ التي مع الأَلِفِ في "الآن". وكذلك تقولُ: صُمْ لِثْنَينِ. يريدون: صُمِ الإثنينِ. وأما عامةُ قرأَةِ الكوفةِ وبعضُ المكيِّين، فإنهم قرَءُوا ذلك بإظهارِ النونِ وكسرِها وهمزِ ﴿الْأُولَى﴾ (٢)، على اختلافٍ في ذلك عن الأعمشِ، فرَوَى أصحابُه عنه - غيرَ القاسمِ بنِ مَعْنٍ - موافقةَ أهلِ بلدِه في ذلك. وأما القاسمُ بنُ مَعْنٍ فحُكِي عنه عن الأعمشِ أنه وافَق في قراءتِه ذلك قرأةَ (٣) المدنيِّين (٤).

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندَنا ما ذكَرْنا مِن قراءةِ الكوفيِّين؛ لأن ذلك هو الفصيحُ مِن كلامِ العربِ، وأن قراءةَ مَن كان مِن أهلِ السَّلِيقةِ فعلى البيانِ والتفخيمِ، وأن الإدغامَ في مثلِ هذا الحرفِ وتركَ البيانِ، إنما يُوسَّعُ فيه لمن كان ذلك سجيَّتَه وطبعَه مِن أهلِ البوادِي. فأما المُوَلَّدون (٥) فإِن حُكْمَهم أَن يَتَحَرَّوا أَفصحَ القراءاتِ وأعذبَها وأثبتَها، وإن كانت الأخرى جائزةً غيرَ مردودةٍ.

وإنما قيلَ لعادِ بنِ إِرمَ: ﴿عَادًا الْأُولَى﴾. لأن بني لُقَيْمِ بنِ هَزَّالِ بنِ هُزَيلِ [بنِ عُتَيْلِ بنِ صَدِّ] (٦) بنِ عادٍ الأكبرِ، كانوا أيامَ أَرْسَلَ اللَّهُ على عادٍ الأكبرِ عذابَه سُكَّانًا


(١) وهي قراءة نافع وأبي عمرو وأبي جعفر ويعقوب. الإتحاف ص ٢٤٩.
(٢) وهي قراءة ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف. المصدر السابق.
(٣) في م: "قراءة".
(٤) ينظر معاني القرآن ٣/ ١٠٢.
(٥) المولد من الرجال: العربي غير المحض. الوسيط (و ل د)
(٦) في م: "عبيل بن ضد".