للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاهدٍ، عن ابنِ عباسٍ أنه كان إذا قرَأ: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قال: لا بأيتِها ربَّنا (١).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. قال: الآلاءُ القدرةُ، فبأيِّ آلائِه تكذِّبُ؟ خَلَقَكم كذا وكذا، فبأيِّ قُدرةِ اللَّهِ تُكذِّبان أيها الثَّقَلان، الجنُّ والإنسُ (٢)؟

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ فخاطَب اثنين، وإنما ذُكِر في أوَّلِ الكلامِ واحدٌ، وهو الإنسانُ؟ قيل: عاد بالخطابِ في قولِه: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إلى الإنسانِ والجانِّ، ويدلُّ على أن ذلك كذلك ما بعدَ هذا من الكلامِ، وهو قولُه: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾. وقد قيل: إنما جُعِل الكلامُ خطابًا لاثنين وقد ابتُدِئ الخبرُ عن واحدٍ، لِما قد جرَى من فعلِ العربِ بمثلِ (٣) ذلك، وهو أن يخاطبوا الواحدَ بفعلِ الاثنين، فيقولوا: ارْحلاها (٤) يا غلامُ. وما أشْبَه ذلك مما قد بيَّناه في كتابِنا هذا في غيرِ موضعٍ (٥).

وقولُه: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: خلق اللَّهُ الإنسانَ وهو آدمُ، ﴿مِنْ صَلْصَالٍ﴾ وهو الطينُ اليابسُ الذي لم يُطْبَخْ، فله من يُبسِه صلصلةٌ إذا حُرِّك ونُقِر، ﴿كَالْفَخَّارِ﴾. يعني أنه من يُبسِه وإن لم يكنْ مطبوخًا، كالذى قد طُبِخ بالنارِ، فهو يُصَلصِلُ كما يصلصلُ الفَخَّارُ. والفخارُ هو


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٧/ ٤٦٦.
(٢) ذكره القرطبي في تفسيره ١٧/ ١٥٩.
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٣: "تفعل". وفي ت ٢: "بفعل".
(٤) في م: "خلياها". وفي ت ١، ت ٣: "خلاها".
(٥) ينظر ما تقدم في ١/ ٣٨٣، ٢/ ٢٠١، ٣/ ٥٣١، ٥٣٢، ٦٠٧.