للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني ابنُ البرقيِّ، قال: ثنا ابنُ أبي مريمَ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: أخبَرني زيدُ بنُ أسلمَ، عن أبي سعيدٍ التمارِ، [عن أبي سعيدٍ الخدريِّ] (١) أن رسولَ اللَّهِ قال: "يُوشِكُ أَن يَأْتِيَ قومٌ (٢) تَحْقِرُون أعمالَكم مع أعمالِهم". فقلْنا: مَن هم يا رسولَ اللَّهِ، قريشٌ؟ قال: "لا، هم أرقُّ أفتدةً وألينُ قلوبًا". وأشار بيدِه إلى اليَمَنِ، فقال: "هم أهلُ اليَمَنِ، ألا إن الإيمانَ يمانٍ، والحكمةَ يمانيةٌ". فقلنا: يا رسولَ اللَّهِ، هم خيرٌ منا؟ قال: "والذي نفسي بيدِه لو كان لأحدِهم جبلُ ذهبٍ ينفقُه ما أدرَك مُدَّ أحدِكم ولا نصيفَه". ثم جمَع أصابعَه ومَدَّ خِنْصَرَه وقال: "ألَا إن هذا فصلُ ما بينَنا وبينَ الناسِ: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ (٣).

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ عندي أن يُقالَ: معنى ذلك: لا يَسْتَوي منكم أيُّها الناسُ مَن أنفَق في سبيلِ اللَّهِ من قبلِ فتحِ الحُديبيةِ - للذي ذكَرْنا من الخبرِ عن رسولِ اللَّهِ ، الذي رويناه عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ عنه - وقاتَل المشرِكين بمن أنفَق بعدَ ذلك وقاتَل. وترَك ذكرَ مَن أنفَق بعدَ ذلك وقاتَل؛ استغناءً بدلالةِ الكلامِ الذي ذُكِر عليه مِن ذِكْرِه.

﴿أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين أنفَقوا في سبيلِ اللَّهِ من قبلِ فتحِ الحديبيةِ، وقاتَلوا المشركِين - أعظمُ درجةً في الجنةِ عندَ اللَّهِ الذين أنفَقوا من بعدِ ذلك وقاتَلوا.

وقولُه: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وكلَّ هؤلاء الذين


(١) سقط من النسخ. والمثبت من تفسير ابن كثير. وينظر التاريخ الكبير ٩/ ٣٤، والجرح والتعديل ٩/ ٣٧٦.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أقوام".
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره ٨/ ٣٩ عن المصنف.