للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرُ مَن قال: الذين لم يَرْعَوُا الرهبانيةَ حقَّ رعايتِها كانوا غيرَ الذين ابْتَدَعوها، ولكنهم كانوا المُرِيدي الاقتداءِ بهم

حدَّثنا الحسينُ (١) بنُ الحُرَيثِ أبو عمارٍ المَرْوَزِيُّ، قال: ثنا الفضلُ بنُ موسى، عن سفيانَ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كانت ملوكٌ بعدَ عيسى بدَّلوا التوراةَ والإنجيلَ، وكان فيهم مؤمنون يقرَءون التوراةَ والإنجيلَ، فقيل لملكِهم: ما نجدُ شيئًا أَشدَّ علينا مِن شَتْمٍ يَشْتُمُناه (٢) هؤلاء، إنهم يقرَءون: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤]. هؤلاء الآياتُ (٣) - مع ما يَعِيبوننا به في قراءتِهم، فادْعُهم (٤) فليقرَءُوا كما نقرَأُ، ولْيُؤْمنوا كما آمنَّا به. قال: فدعاهم فجمَعهم، وعرَض عليهم القتلَ أو يتركوا قراءةَ التوراةِ والإنجيلِ إلا ما بدَّلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك؟ فدعُونا. قال: فقالت طائفةٌ منهم: ابْنُوا لنا أُسْطُوَانةً، ثم ارْفعونا إليها، ثم أَعْطُونا شيئًا نَرْفعُ به طعامَنا وشرابَنا، فلا نَرِدُ عليكم (٥). وقالت طائفةٌ منهم: دَعُونا نَسِيحُ في الأرضِ، ونَهِيمُ ونَشْرَبُ كما تَشْرَبُ الوحوشُ (٦)، فإِنْ قَدَرْتم علينا بأَرْضِكم فاقتُلونا. وقالت طائفةٌ: ابْنُوا لنا دُورًا (٧) في الفيافِي، ونَحْتَفِرُ الآبارَ، ونَحْترِثُ البقولَ، فلا نَرِدُ عليكم، ولا نَمُرُّ بكم. وليس أحدٌ مِن أولئك إلا وله حميمٌ فيهم، قال: ففعَلوا ذلك، فأنَزَل اللَّهُ جلّ ثناؤُه: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾: الآخِرون؛ قالوا: نتعبَّدُ كما تعبَّد فلانٌ، ونَسِيحُ كما ساح فلانٌ، ونتَّخِذُ دُورًا كما


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الحسن". وينظر تهذيب الكمال ٦/ ٣٥٨.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "يشتمنا".
(٣) قال السندي في حاشيته على المجتبى: "وهؤلاء الآيات" هو مبتدأ خبره محذوف أي من أشد الشتم. المجتبى ٨/ ٨٢٣.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فادعوهم".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "عليهم".
(٦) في ت ٢، ت ٣: "الوحش".
(٧) في ت ٢، ت ٣: "دارًا". وفي الدر المنثور: "ديورًا".