للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واليهوديَّةَ، فقال اللَّهُ ﷿ لهم: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾، وثَبَتَت طائفةٌ منهم على دينِ عيسى صلواتُ اللَّهِ عليه، حتى بعَث اللَّهُ محمدًا ، فآمَنوا به.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا زكريا بنُ أبي مريمَ، قال: سمِعتُ أبا أمامةَ الباهليَّ يقولُ: إِنَّ اللَّهَ كتَب عليكم صيامَ رمضانَ، ولم يَكْتُبْ عليكم قيامَه، وإنما القيامُ شيءٌ ابْتَدَعتُموه، وإِنَّ قومًا ابْتَدَعوا بدعةً لم يَكْتُبْها اللَّهُ عليهم، ابْتَغَوا بها رِضْوانَ اللَّهِ، فلم يَرْعَوها حقَّ رِعايتِها، فعابَهم اللَّهُ بتَرْكِها، فقال: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ (١).

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصحةِ أنْ يقالَ: إنَّ الذين وصَفهم اللَّهُ بأنهم لم يَرْعَوا الرهبانيةَ حقَّ رِعايتِها، بعضُ الطوائفِ التي ابْتَدَعتْها. وذلك أَنَّ اللَّهَ جلّ ثناؤُه أَخبَر أنه آتَى الذين آمَنوا منهم أَجْرَهم؛ قال: فدلَّ بذلك على أن منهم مَن قد رعاها حقَّ رِعايتِها، فلو لم يكنْ منهم مَن كان كذلك لم يكنْ يستحِقُّ الأجرَ الذي قال جلّ ثناؤُه: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾. إلا أنَّ الذين لم يَرْعَوْها حقَّ رِعايتِها ممكِنٌ أنْ يكونوا كانوا على عَهْدِ الذين ابْتَدَعوها، وممكِنٌ أنْ يكونوا كانوا بعدَهم؛ لأنَّ الذين هم مِن أبنائِهم إذا لم يكونوا رَعَوْها فجائزٌ في كلامِ العربِ أن يقالَ: لم يَرْعَها القومُ. على العمومِ، والمرادُ منهم البعضُ الحاضرُ، وقد مضَى نظيرُ ذلك في مواضعَ كثيرةٍ من هذا الكتابِ (٢).

وقولُه: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فَأَعْطينا


(١) ذكره القرطبي في تفسيره ١٧/ ٢٦٤، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٧٨ إلى المصنف وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن نصر وابن مردويه وأخرجه الطبراني في الأوسط (٧٤٥٠) من طريق إسماعيل بن عمرو عن هشيم به مرفوعًا.
(٢) ينظر ما تقدم في ١/ ٦٤٢، ٦٤٣.