للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعزُّ منها الأذلَّ، لقد قلتُ لكم: لا تُنْفِقوا عليهم، لو ترَكْتُموهم ما وجَدوا ما يَأْكُلون، ولخرجوا وهربوا. فأتَى عمرُ بنُ الخطابِ إلى النبيِّ ، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، ألا تَسْمَعُ ما يقولُ ابنُ أبيٍّ؟ قال: "وما ذاك؟ ". فأخبَره، وقال: دَعْني أضرِبْ عنقَه يا رسولَ اللَّهِ. قال: "إذًا تَرْعُدَ له آنُفٌ كثيرةٌ بيثربَ". قال عمرُ: فإن كرِهْتَ يا رسولَ اللَّهِ أن يَقْتُلَه رجلٌ مِن المهاجرين، فمُرْ به سعدَ بنَ مُعاذٍ، ومحمدَ بنَ مَسْلَمةَ فيَقْتُلانه. فقال رسولُ اللَّهِ : "إني أَكْرَهُ أَن يَتَحَدَّثَ الناسُ أن محمدًا يقتلُ أصحابَه، ادْعُوا لي عبدَ اللَّهِ بنَ عبدِ اللَّهِ بن أبيٍّ". فدعاه له. فقال: "ألا تَرَى ما يقولُ أبوك؟ ". قال: وما يقولُ بأبي أنت وأمي؟ قال: "يقولُ: لئن رجَعْنا إلى المدينةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ". فقال: فقد صدَق واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ، أنت واللَّهِ الأعزُّ، وهو الأذلُّ، أمَا واللَّهِ لقد قدِمْتَ المدينةَ يا رسولَ اللَّهِ، وإن أهلَ يثربَ لَيعلَمون ما بها أحدٌ أبرَّ مني، ولئن كان يُرْضِي اللَّهَ ورسولَه أن آتيَهما برأسِه لآتِيَنَّهما به. فقال رسولُ اللَّهِ : "لا". فلما قدِموا المدينةَ قام عبدُ اللَّهِ بنُ عبدِ اللَّهِ بن أبيٍّ على بابِها بالسيفِ لأبيه، ثم قال: أنت القائلُ: لئن رجَعْنا إلى المدينةِ ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ؟ أمَا واللَّهِ لتَعْرِفَنَّ العزةُ لك أو لرسولِ اللَّهِ، واللَّهِ لا يَأْوِيك ظلُّه، ولا تَأْوِيه أبدًا إلا بإذنٍ مِن اللَّهِ ورسولِه. فقال: يا للَخزرجِ، ابني يَمْنَعُني بيتي، يا لَلخزرجِ، ابني يَمْنَعُني بيتي. فقال: واللَّهِ لا تَأْوِيه أبدًا إلا بإذنٍ منه. فاجْتَمع إليه رجالٌ فكلَّموه. فقال: واللَّهِ لا يَدْخُلُه إلا بإذنٍ مِن اللَّهِ ورسولِه. فأتَوُا النبيَّ فأخْبَروه. فقال: "اذْهَبوا إليه، فقولوا له: خَلِّه ومَسْكنَه". فأتَوْه. فقال: أمَا إذ (١) جاء أمرُ النبيِّ فنعم.

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ وعليُّ بنُ مجاهدٍ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ،


(١) في م، ت ٢، ت ٣: "إذا".