للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالأمرُ بالطوافِ بهما، والترخيصُ في الطوافِ بهما غيرُ جائزٍ اجتماعُهما في حالٍ واحدةٍ؟! قيلَ: إنّ ذلك بخلافِ ما إليه ذهبتَ (١)، وإنما معنَى ذلك عندَ أقوامٍ أن النبيَّ لما اعتمَرَ عُمرةَ القضيَّةِ تَحَوَّبَ (٢) أقوامٌ كانوا يَطُوفون بهما في الجاهليةِ قبلَ الإسلامِ لصَنَمَيْن كانا عليْهما؛ تعظيمًا منهم لهما فقالوا: وكيف نطوفُ بهما، وقد علِمْنَا أن تعظيمَ الأصنامِ وجميعِ ما كانَ مِن ذلك يُعبدُ مِن دونِ اللهِ باللهِ شِركٌ، [وطوافُنا] (٣) بهذيْن الحَجَريْن أحدُ ذلك؛ لأن الطوافَ بهما في الجاهِليةِ إنما كان للصنمينِ اللذينِ كانَا عليهمَا، وقد جاء اللهُ اليومَ بالإسلامِ ولا سبيلَ إلى تعظيمِ شيْءٍ مع اللهِ بمعنى العبادةِ له؟! فأنزَل اللهُ تعالى ذِكرُه في ذلك مِن أمرِهمْ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾ يعني: إنّ الطوافَ بهما. فترَك ذِكرَ الطوافِ بهما اكتفاءً بذكرِهما منه، إذْ كان معلومًا عند المخاطَبِينَ به أن معناهُ: من معالمِ اللهِ التي جعَلها عَلَمًا لعبادِه يَعبُدونَه عندَهما بالطوافِ بينَهما ويَذْكُرونه عليْهما وعندَهما، بما هو له أهلٌ من الذِّكرِ، فمَن حجَّ البيتَ أو اعتمَرَ فلا [يَتَحَوَّبَنَّ مِن] (٤) الطوافِ بهما، مِن أجلِ ما كان أهلُ الجاهليةِ يَطوفُون بهما، مِن أجلِ الصنَمَيْن اللّذيْن كانَا عليهما، فإنّ أهلَ الشركِ كانوا يَطوفُون بهما كفرًا، وأنتم تَطوفُون بهما إيمانًا بي (٥) وتصديقًا لرسولِي، وطاعةً لأمْرِي، فلا جُناحَ عليكم في الطوافِ بهما.

والجنُاحُ: الإثمُ. كما حدثني موسى، قال: ثنا عَمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ذهب".
(٢) في م: "تخوّف"، والتَّحوُّبُ: التحوُّج والتأثُّم. وينظر اللسان (ح و ب).
(٣) في م، ت ١، ت ٣: "ففي طوافنا". وفي ت ٢: "بطوافين في صلواتنا".
(٤) في م: "يتخوفن".
(٥) سقط من م، ت ١، ت ٢، ت ٣.