للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، [قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ] (١)، قال: أخبرنا مَعمرٌ، عن قتادةَ، قال: كان ناسٌ من أهلِ تِهامةَ لا يطوفون بينَ الصفَا والمروةِ، فأنزلَ اللهُ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾ (٢).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندنَا، أن يُقال: إنّ اللهَ تعالى ذِكرُه قد جعَل الطوافَ بينَ الصفَا والمروةِ مِن شعائرِ اللهِ، كما جعَل الطوافَ بالبيتِ مِن شعائرِه، فأما قولُه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ فجائزٌ أن يكونَ قيلَ لكلَا الفريقين اللّذيْنِ تَحَوَّب (٣) بعضُهم الطوافَ بهما مِن أجلِ الصّنميِنْ اللَّذيْنِ ذكَرهما الشعبيُّ (٤)، وبعضُهْم من أَجْلِ ما كان مِن كراهتِهم الطوافَ بهما (٥) في الجاهليةِ على ما رُويَ عن عائشةَ. وأيُّ الأمريْنِ كان مِن ذلك فليس قولِ اللهِ تعالى ذِكرُه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ دَلالةٌ [في الآيةِ] (٦) على أنه عَنى به وضْعَ الحرَجِ عمَّن طاف بهما، مِن أجلِ أن الطوافَ بهما كان غيرَ جائزٍ بحظْرِ اللهِ ذلك، ثم جَعَل الطوافَ بهما رُخْصةً؛ لإجماعِ الجميعِ على أنَّ اللهَ تعالى ذِكرُه لم يَحظُرْ ذلك في وقتٍ، ثم رخَّص فيه بقولِه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾.

وإنما الاختلافُ في ذلك بينَ أهلِ العلمِ على أوْجُهٍ؛ فرأَى بعضُهم أن تاركَ الطوافِ بينَهما تاركٌ من مَناسكِ حَجِّهِ ما لا يُجزئُه منه غيرُ قضائِه بعَيْنِه، كما لا


(١) سقط من: م.
(٢) تقدم في ص ٧١٨.
(٣) في م: "تخوف".
(٤) ينظر ما تقدم في ص ٧١٣.
(٥) في الأصل: "بينهما".
(٦) سقط من: م.