للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن قولِ القائلِ: مَرَّ فلانٌ يَسْحَبُ (١) ذيلَه. [بمَعْنى: يَجُرُّه] (٢).

فأمّا معنى قولِه: ﴿لَآيَاتٍ﴾: فإنه: علاماتٍ ودلالاتٍ على أنَّ خالقَ ذلك كلِّه ومُنْشِئَه إلهٌ واحدٌ. ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ لمن عَقَل مواضعَ الحُجَجِ، وفَهِم عن اللهِ أدِلَّتَه على وحدانيَّتِه.

فأعلَم عزّ ذِكرُه عبادَه بأنَّ الأدلةَ والحُجَجَ إنما وُضعتْ مُعْتبَرًا لذوِي العقولِ والتمييزِ، دونَ غيرِهم مِن الخلْقِ، إذ كانوا هم المخصوصين بالأمرِ والنهيِ، والمُكَلَّفين الطاعةِ والعبادةَ، ولهم الثوابُ، وعليهم العقابُ.

فإن قال قائلٌ: وكيف احْتَجَّ على أهلِ الكفرِ بقولِه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الآية. في توحيدِ اللهِ، وقد عَلِمْتَ أن أصنافًا من أصنافِ الكُفْرِ (٣) تَدْفَعُ أن تكونَ السماواتُ والأرضُ وسائرُ ما ذُكِر في هذه الآيةِ مخلوقةً؟

قيل: إنَّ إنكارَ مَن أنْكَر ذلك غيرُ دافعٍ أن يكونَ جميعُ ما ذَكَر جل ثناؤُه في هذه الآيةِ دليلًا على خالقِه وصانعِه، وأنَّ له مُدَبِّرًا لا يُشبِهُه، وبارئًا لا مِثْلَ له، وذلك وإن كان كذلك، فإن اللهَ إنما حاجَّ بذلكَ قومًا كانوا مُقِرِّين بأن اللهَ خالِقُهم، غيرَ أنهم كانوا يُشرِكون في عبادَتِه عبادةَ الأصنامِ والأوثانِ، فحاجَّهم تعالى ذِكرُه فقال - إذ أنكروا قولَه: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾. وزَعَموا أنَّ له شركاءَ مِن الآلِهةِ -: إنّ إلهَكم الذي خَلَق السماواتِ والأرضَ، وأجْرَى فيها الشمسَ والقمرَ لكم بأرزاقِكم دائِبَيْن في سيرِهما - وذلك هو معنى اختلافِ الليلِ


(١) في م: "يجر".
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت؛: "يعني يسحبه".
(٣) في م، ت ١، ت ٢: "الكفرة".