للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: "الصَّمَدُ" عندَ العرب هو السيِّدُ الذي يُصْمَدُ إليه، الذي لا أحدَ فوقَه، وكذلك تُسمِّى أشرافَها، ومنه قولُ الشاعرِ (١):

ألا بَكَّرَ النَّاعِى بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ … بعَمْرِو بن مسعودٍ وبالسيِّدِ الصَّمَدْ

وقال الزِّبْرِقانُ (٢):

* ولا رَهِينَةَ إِلا سَيِّدٌ صَمَدُ *

فإذ كان ذلك كذلك، فالذى هو أولى بتأويلِ الكلمةِ، المعنى المعروفُ من كلامِ مَن نزَل القرآنُ بلسانِه، ولو كان حديثُ ابن بريدةَ عن أبيه صحيحًا، كان أولى الأقوالِ بالصحةِ؛ لأنَّ رسولَ اللهِ أعلمُ بما عَنَى اللهُ جَلَّ ثناؤُه، وبما أَنزَل عليه.

وقوله: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾. يقولُ: ليس بفانٍ، لأنه لا شيءَ يَلِدُ إلا وهو فانٍ بائدٌ، ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾. يقولُ: وليس بمُحْدَثٍ، لم يكنْ فكان؛ لأنَّ كلَّ مولودٍ فإنما وُجِد بعدَ أنْ لم يكنْ، وحدَث بعد أنْ كان غيرَ موجودٍ، ولكنه تعالى ذكرُه قديمٌ (٣) لم يَزَلْ، ودائمٌ [لا يَبيدُ] (٤) ولا يزولُ ولا يَفْنى.


(١) هو سبرة بن عمر الأسدى، والبيت في مجاز القرآن ٢/ ٣١٦، وفى سمط اللآلئ ٢/ ٩٣٢، ونسبه ابن هشام في السيرة ١/ ٥٧٢ إلى هند بنت معبد بن نضلة.
(٢) البيت في مجاز القرآن ٢/ ٣١٦.
(٣) في إطلاق صفة "القديم" على الله نظر. فهذه صفة لم يرد إطلاقها على الله في القرآن الكريم ولا في السنة الصحيحة، وإنما الذي ورد للتعبير عن معناها لفظ (الأول)، كما قال الله سبحانه: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ﴾ [الحديد: ٣]. وقول النبي عمل في ثنائه على الله سبحانه: "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء". أخرجه مسلم (٢٧١٣). فهذا اللفظ مما أدخله المتكلمون في أسماء الله تعالى وليس هو من الأسماء الحسنى؛ وذلك لأنه يحتوى على معنى الزمن، فإذا كان "قديما" فهناك "أقدم" قياسا على صيغة أفعل، أما لفظ القرآن والسنة "الأول" فكان أدق في التعبير. ينظر شرح العقيدة الطحاوية ١/ ٧٥ - ٧٧.
(٤) في م، ت ٣: "لم يبد".