للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اخْتَلَفَتِ القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقَرَأتْه عامَّةُ قَرَأةِ أهلِ المدينةِ والشامِ: (وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالتاءِ، (إذْ يَرَون العذابَ) بالياءِ، (أنَّ القوَّةَ للهِ جميعًا وأنَّ اللهَ شديدُ العذابِ) (١) بفتح "أنَّ" و"أنَّ" كلتيهما بمعنى: ولوْ تَرى يا محمدُ الذين كفروا وظلَموا أنْفُسَهم حينَ يَرَوْن عذابَ اللهِ ويُعايِنُونه، أنَّ القوةَ للهِ جميعًا، وأنَّ اللهَ شديدُ العذابِ.

ثم في نَصْبِ "أنّ" و"أنَّ" في هذه القراءةِ وجهانِ: أحدُهما، أن تُفْتَحَ بالمحذوفِ مِن الكلامِ الذي هو مطلوبٌ فيه. فيكونُ تأويلُ الكلامِ حينَئذٍ: ولو ترى يا محمدُ الذين ظَلَموا إذ يَرَوْن عذابَ اللهِ لَأَقَرُّوا. ومعنى (تَرَى). معنى: تُبصِرُ أن القوَّةَ للهِ جميعًا، وأنَّ اللهَ شديدُ العذابِ. ويكونُ الجوابُ حينئذٍ - إذا فَتَحْتَ "أنَّ" على هذا الوجْهِ - متروكًا قد اكْتُفِيَ بدَلالةِ الكلامِ عليه، ويكونُ المعنى ما وَصَفْتُ. فهذا أحدُ وَجْهَي فَتْحِ "أنّ" على قراءةِ من قرَأ: (وَلَوْ تَرَى) بالتاءِ.

والوجهُ الآخرُ في الفتحِ، أن يكونَ معناه: ولو تَرَى يا محمدُ إذ يَرى الذين ظلَموا عذابَ اللهِ؛ لأنَّ القوَّةَ للهِ جميعًا، وأنَّ الله شديدُ العذابِ، لَعَلِمْتَ مبلغَ عذابِ اللهِ. ثم تُحْذَفُ اللامُ، فتُفتَحُ بذلك المعنى، لدلالةِ الكلامِ عليها.

وقَرَأ ذلك آخرون مِن سَلَفِ القَرَأةِ: ولو تَرَى الذين ظلَموا إذ يَرَون العذابَ إنَّ القوةَ للهِ جميعًا وإنَّ اللهَ شديدُ العذابِ) (٢). بمعنى: ولو تَرَى يا محمدُ الذينَ ظلَمُوا حينَ يعاينُونَ عذابَ اللهِ، لَعَلِمتَ الحالَ التي يَصيرون إليها. ثم أخْبَر جل ثناؤُه خبرًا مُبْتَدأً عن قدرتِه وسلطانِه بعدَ تمامِ الخبرِ الأوَّلِ، فقال: إنَّ القوةَ للهِ جميعًا في الدنيا


(١) وهي قراءة: نافع وابن عامر، إلَّا أن ابن عامر قرأ بضم الياء من: (يُرَون العذابَ). وقرأ نافع بفتحها. حجة القراءات ص ١١٩، ١٢٠.
(٢) وهي قراءة أبي جعفر المدني ويعقوب. النشر ٢/ ٢٢٤.