للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالضَّرَّاءِ﴾ قال: البأساءُ الفقرُ، والضراءُ المرضُ (١).

وأما أهلُ العربيةِ فإنهم اخْتَلفوا في ذلك؛ فقال بعضُهم: البأساءُ والضرَّاءُ مصدرٌ جاءَ على "فَعْلاء" ليس له "أَفعل"؛ لأنه اسمٌ، كما قد جاء "أفعل" في الأسماءِ ليس له "فَعْلاء"، نحو "أحمد". وقد قالوا في الصِّفةِ: "أفعل" ولم يجئْ له "فَعْلاء"، فقالوا: أنتَ من ذلك أَوْجلُ. ولم يقولوا: "وجْلاء".

وقال بعضُهم: هو اسمٌ للفعلِ، كأنَّ (٢) البأساءَ البؤسُ، والضراءَ الضُّرُّ، وهو اسمٌ يقعُ إن شئتَ لمؤنثٍ، وإن شئتَ لمذكرٍ، كما قال زهيرٌ (٣):

فتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمانَ أشْأمَ كُلُّهُمْ … كأحْمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فتَفْطِمِ

يعني: فتُنْتَجْ لكم غلمانَ شُؤْمٍ.

وقال بعضُهم: لو كان ذلك اسمًا يجوزُ صرفُه إلى مؤنثٍ ومُذكرٍ، لجازَ إجراءُ "أَفْعل" في النكرةِ، ولكنه اسمٌ قام مقامَ المصْدَرِ، والدليلُ على ذلك قولُهم: لئن طلبتَ نُصرتَهم لَتجِدنَّهمْ غيرَ أبعدَ. بغيرِ إجراءٍ. قال: وإنما كان اسمًا للمصدرِ؛ لأنه إذا ذُكر عُلمَ أنه يُرادُ به المصدرُ.

وقال غيرُهم: لو كان ذلك مصدرًا فوقَع بتأنيثٍ لم يقعْ بتذكيرٍ، ولو وقَع بتذكيرٍ لم يقعْ بتأنيثٍ؛ لأن من سُمِّيَ "بأفعل" لم يُصرفْ إلى "فُعْلَى"، ومن سُمِّيَ "بفُعْلَى" لم يُصرَفْ إلى "أفعل"؛ لأن كلَّ اسمٍ يَبْقى بهيئتِه لا يُصرفُ إلى غيرِه، ولكنهما لغتان، فإذا وقَع التذكيرُ، كان: بأمرٍ أَشْأمَ، وإذا وقَع البأساءُ


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصبر (٥٧) من طريق عبيد بن الطفيل به، بزيادة. وستأتي في ص ٩٢.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فإن".
(٣) شرح ديوانه ص ٢٠.