للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والضرَّاءُ، وقَع الخَلَّةُ البأساءُ، والخَلَّةُ الضرَّاءُ، وإنْ كان لم يُبنَ على الضرَّاءِ "الأضرّ"، ولا على الأشأم "الشَّأْماء"؛ لأنه لم يرِدْ مِن تأنيثِه التذكيرُ، ولا مِن تَذْكيرِه التأنيثُ، كما قالوا: امرأةٌ حسناءُ. ولم يقولوا: رجلٌ أحسنُ. وقالوا: رجلٌ أمردُ. ولم يقولوا: امرأةٌ مَرْداءُ. فإذا قيلَ: الخَصْلةُ الضرَّاءُ. والأمرُ الأَشْأمُ. دلَّ على المصدرِ، ولم يحتجْ إلى أن يكونَ اسمًا، وإن كان قد كفَى من المصدرِ.

وهذا قولٌ مخالفٌ تأويلَ مَنْ ذكَرْنَا تأويلَه من أهلِ العلمِ في تأويلِ: ﴿الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ وإن كان صحيحًا على مذهبِ العربيةِ، وذلك أن أهلَ التأويلِ تأولوا البأساءَ بمعنَى البؤسِ، والضرَّاءَ بمعنى الضُّرِّ في الجسدِ، وذلك من تأويلِهم يُنبئُ عن أنهم وجَّهوا البأساءَ والضراء إلى أسماءِ الأفعالِ دونَ صفاتِ الأسماءِ ونُعوتِها، فالذي هو أوْلَى بـ ﴿الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ على قولِ أهلِ التأويلِ، أن تكونَ البأساءُ والضَّرَّاءُ أسماءَ أفعالٍ، فتكونَ البأساءُ اسمًا للبؤسِ، والضراءُ اسمًا للضُّرِّ.

وأمّا ﴿الصَّابِرِينَ﴾ فنصبٌ، وهو من نعتِ ﴿مَنْ﴾ على وجْهِ المدحِ؛ لأنَّ مِن شأنِ العربِ إذا تطاولت صفةُ الواحدِ الاعتراضَ بالمدحِ والذمِّ بالنّصبِ أحيانًا، وبالرفعِ أحيانًا، كما قال الشاعرُ (١):

إلى الملِكِ القَرْمِ (٢) وابنِ الهُمامِ … وليثَ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ

وذا الرأْيِ حينَ تُغَمُّ الأمورُ … بذاتِ الصَّليلِ وذاتِ اللُّجُمْ

فنصَب "ليثَ الكتيبة"، و"ذَا الرأي" على المدحِ، والاسمُ قبلَهما


(١) معاني القرآن للفراء ١/ ١٠٥، ٢/ ٥٨، وخزانة الأدب ١/ ٤٥١.
(٢) القرم: السيد العظيم.