للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مخفوضٌ؛ لأنه من صفةِ واحدٍ، ومنه قولُ الآخرِ (١):

فلَيْتَ التي فيها النُّجومُ تَوَاضَعت (٢) … على كلِّ غَثٍّ منهمُ وسَمِينِ

غيوثَ الحَيَا (٣) في كلِّ مَحْلٍ ولَذْبةٍ (٤) … أسُودَ الشَّرَى يَحْمِين كلَّ عَرينِ

وقد زعَمَ بعضُهم أن قولَه: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ﴾. نصبٌ عطفًا على ﴿السَّائِلِينَ﴾. كأنَّ معنى الكلامِ عندَه: وآتَى المالَ على حبِّه ذوِي القُرْبَى واليتامَى والمساكينَ وابنَ السبيلِ والسائلين والصابرين في البأساءِ والضراءِ.

وظاهرُ كتابِ اللهِ يدلُّ على خطأِ هذا القولِ، وذلك أن الصابرين في البأساءِ والضراءِ هم أهلُ الزَّمانَةِ في الأبدانِ، وأهلُ الإقتارِ مِن (٥) الأموالِ، وقد مضَى وصفُ القومِ بإيتاءِ مَن كان ذلك صِفتَه المالَ في قولِه: ﴿وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ﴾. وأهلُ الفاقةِ والفقرِ هم أهلُ البأساءِ والضرَّاءِ، لأنَّ مَن لم يكنْ مِنْ أهلِ الضَّراءِ ذا بأساءَ، لم يكنْ ممَّن لهُ قَبولُ الصدقةِ، وإنما له قَبولُها إذا كان جامعًا إلى ضرَّائِه بأساءَ، وإذا جمَع إليها بأساءَ كان من أهل المَسْكنَةِ الذين قد دخَلوا في جملةِ المساكين الذين قد مضَى ذكرُهم قبلَ قولِه: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ﴾. وإذا كان ذلك كذلك، ثم نصَبَ ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ﴾ بقولِه: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾. كان الكلامُ تكريرًا بغيرِ فائدةِ معنًى، كأنه قيلَ: وآتى المالَ على حُبِّه ذوِي القُرْبَى واليتامى والمساكينَ [والمساكينَ] (٦). واللهُ يتعالى عن أن يكونَ ذلك في


(١) معاني القرآن للفراء ١/ ١٠٦، وأمالي المرتضى ١/ ٢٠٦.
(٢) تواضعت: تساقطت وانحطت.
(٣) في م: "الورى". والحيا: المطر والخصب.
(٤) في م: "أزمة". واللذبة: شدة السنة، وهي القحط.
(٥) في م: "في".
(٦) سقط من: م، ت ١، ت ٢.