للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دونَ غيرِه مِن الناسِ، ولا تُجاوِزوا بالقتلِ إلى غيرِه ممن لم يقتُلْ؛ فإنه حرامٌ عليكم أن تقتُلوا بقتيلِكم غيرَ قاتلِه.

والفرضُ الذي فرَضه اللهُ علينا في القِصاصِ هو ما وصَفتُ، من تَرْكِ المجاوزةِ بالقِصاصِ قتلَ القاتلِ بقتيلِه إلى غيرِه، لا أنه وجَب علينا القِصاصُ فرضًا، وجوبَ فرضِ الصلاةِ والصيامِ، حتى لا يكونَ لنا تركُه، ولو كان ذلك فرضًا لا يجوزُ لنا تركُه لم يكنْ لقولِه: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾. معنًى مفهومٌ؛ لأنه لا عفوَ بعدَ القِصاصِ فيقالَ: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾.

وقد قيل: إن معنى القِصاصِ في هذه الآيةِ مُقاصَّةُ دِياتِ بعضِ القتْلَى بدِياتِ بعضٍ. وذلك أن الآيةَ عندَهم نزَلتْ في حزبين تحاربوا على عهدِ رسولِ اللهِ ، فقتَل بعضُهم بعضًا، فأُمِر النبيُّ أن يُصلِحَ بينَهم، بأن يُسقِطَ (١) ديَاتِ نساءِ أحدِ الحزبين بدياتِ نساءِ الآخرين، ودياتِ رجالِهم بدياتِ رجالِهم، ودياتِ عبيدِهم بدياتِ عبيدِهم، قِصاصًا. فذلك عندَهم مَعنى القِصاص في هذه الآيةِ.

فإن قال قائلُ: فإنّه جلَّ ثناؤُه قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾. أفما لنا أن نقتصَّ للحُرِّ إلَّا من الحُرِّ، ولَا للأُنثى إلَّا من الأُنثى؟

قيل: بلى (٢)، لنا أن نقتصَّ للحرِّ من العبدِ، وللأنثى من الذكرِ، يقولُ جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ [الإسراء: ٣٣]. وبالنقلِ


(١) في م: "تسقط".
(٢) في م، ت ١، ت ٣: "بل".