للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا قولُ من زعَم أن هذه الآيةَ نزَلتْ - أعني قولَه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ - في الذين تحارَبوا على عهدِ رسولِ اللهِ ، فأُمِر رسولُ اللهِ أن يُصلِحَ بينَهم، فَتُقاصَّ دياتُ بعضِهم من بعضٍ، ويُردَّ بعضُهم على بعضٍ بفضلٍ إن بقِيَ لهم قِبلَ الآخرين. وأحسَبُ أن قائِلي هذا القولِ وجَّهوا تأويلَ العفوِ في هذا الموضعِ إلى الكثرةِ، من قولِ اللهِ: ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥]. فكأنَّ معنى الكلامِ عندَهم: فمن كثُر له قِبلَ أخيه القاتلِ شيْءٌ (١).

ذِكرُ من قال ذلك

حدثني موسى، قال: حدثنا عمرٌو، قال: حدثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾. يقولُ: بقِيَ له من ديةِ أخيه شيْءٌ، أو من أَرْشِ جراحتِه، فلْيتَّبعْ بمعروفٍ، ولْيؤدِّ إليه الآخرُ بإحسانٍ (٢).

والواجبُ على تأويلِ القولِ الذي رَوَينا عن عليٍّ والحسنِ في قولِه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾. أنه بمعنى: مُقاصَّةِ ديةِ نفسِ الذَّكرِ مِن ديةِ نفسِ الأنثى، والعبدِ من الحرِّ، والتراجعِ بفضلِ ما بينَ ديتى أنفُسِهما - أن يكونَ معنى قولِه: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾: فمَن عُفي له منَ الواجبِ لأخيه عليه من قِصاصِ ديةِ نفسِ (١) أحدِهما بديةِ نفسِ الآخرِ، إلى الرضَا بديةِ نفسِ المقتولِ، فاتباعٌ من الوليِّ بالمعروفِ، وأداءٌ من القاتلِ إليه بإحسانٍ.

وأوْلى الأقوالِ عندي بالصوابِ في قولِه: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾: فمَن صُفِح له مِن الواجِبِ كان لأخيه عليه من القَوَدِ، عن شيْءٍ من الواجبِ على ديةٍ


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٩٥ (١٥٨٠) من طريق عمرو له.