للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأخُذُها منه، فاتباعٌ بالمعروفِ من العافي عن الدَّمِ الراضِي بالدِّيةِ من دمِ ولِيِّه، وأداءٌ إليه من القاتلِ (١) بإحسانٍ. لما قد بيَّنَّا من العللِ فيما مضَى قبلُ، من أنَّ معنى قولِ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾. إنما هو القِصاصُ من النفوسِ القاتلةِ أو الجارحةِ والشَّاجَّةِ عمدًا، فكذلك العفوُ أيضًا عن ذلك.

وأما معنَى قولِه: ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾. فإنه يعني: فاتباعٌ على ما أوجبَه اللهُ له من الحقِّ قِبَلَ [قاتلِ وَليِّه] (٢)، من غيرِ أن يزدادَ عليه ما ليس له عليه في أسنانِ الفرائضِ أو غيرِ ذلك، أو يكلِّفَه ما لم يوجِبْه اللهُ له عليه.

كما حدثني بشرٌ، قال: حدثنا يزيدُ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، قال: بلَغنا عن نبيِّ اللهِ أنه قال: "مَن زاد أو ازداد بعيرًا - يعني في إبلِ الدِّياتِ وفرائضِها - فمِن أمرِ الجاهليةِ".

وأما إحسانُ الآخرِ في الأداءِ، فهو أداءُ ما لزِمَه بقتلِه لوليِّ القتيلِ، على ما ألزمَه اللهُ وأوجَبه عليه، من غيرِ أن يبخَسَه حقًّا له قِبَلَه بسببِ ذلك، أو يُحوِجَه إلى اقتضاءٍ ومطالبةٍ.

فإن قال لنا قائل: وكيف قِيلَ: ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾.

ولم يقلْ: فاتباعًا بالمعروفِ وأداءً إليه بإحسانٍ. كما قال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ [محمد: ٤]؟

قيلَ: لو كان التنزيلُ جاءَ بالنصبِ، وكان: فاتباعًا بالمعروفِ وأداءٌ إليه بإحسانٍ. كان جائزًا في العربيةِ صحيحًا على وجهِ الأمرِ، كما يقالُ: ضربًا ضربًا،


(١) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ذلك".
(٢) في الأصل: "قاتله".