للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال: فإن هو فرَّط في ذلك فلم يوصِ لهم، أيكونُ مُضيِّعًا فرضًا يَحرَجُ بتضييعه؟ قيل: نعَم.

فإن قال: وما الدلالةُ على ذلك؟

قيل: قولُ اللهِ جلَّ وعزَّ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾. فأَعْلَمنا أنه قد كتَبه علينا وفرَضه، كما قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾. فلا خلافَ بين الجميعِ أن تاركَ الصيامِ وهو عليه قادرٌ، مُضيِّعٌ بتركِه فرضًا للهِ عليه، فكذلك هو بتركِ الوصيةِ لوالديه وأقربيه وله ما يُوصى لهم فيه، مُضيِّعًا فرضًا للهِ.

فإن قال قائلٌ (١): قد علِمتَ أن جماعةً من أهلِ العلمِ قالوا: الوَصِيَّةُ للوالِدَين والأقربين منسوخةٌ بآيةِ الميراثِ؟

قيل له: وخالَفهم جماعةٌ غيرُهم فقالوا: هي محكمةٌ غيرُ منسوخةٍ. وإذْ كان في نسخِ ذلك تنازعٌ بيَنَ أهلِ العلمِ، لم يَكُنْ لنا القضاءُ عليه بأنه منسوخٌ إلا بحُجَّةٍ يَجِبُ التسليمُ لها؛ إذ كان غيرَ مستحيلٍ اجتماعُ حكمِ هذه الآيةِ وحكمِ آيةِ المواريثِ في حالٍ واحدةٍ على صحة، بغيرِ مدافعةِ حكمِ إحداهما حكمَ الأخرى - وكان الناسخُ والمنسوخُ هما المعنيَانِ اللَّذان لا يجوزُ اجتماعُ حكمِهما على صحةٍ في حالٍ واحدةٍ، لنفْي أحدِهما صاحبَه.

وبما قلنا في ذلك قال جماعةٌ من المتقدِّمين والمتأخِّرين.


(١) في م: "فإنك".