للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوْلى الأقوالِ بتأويل هذه الآيةِ أن يكونَ تأويلُها: فمَن خاف مِن موصٍ [حضَرته الوفاةُ] (١) جنفًا أو إثمًا، وهو أن يَمِيلَ إلى غيرِ الحقِّ خطأً منه، أو يَتَعَمَّدَ إثمًا في وصيَّتِه بأنْ يُوصِىَ لوالدَيْه وأقربيه الذين لا يَرِثُونه بأكثرَ مما يَجُوزُ له أن يُوصِىَ لهم به مِن مالِه، وغيرِ ما أذِن اللهُ له به مما جاوَز الثلثَ، أو بالثلثِ كلِّه، وفى المالِ قِلَّةٌ، أو (٢) في الورثةِ كثرةٌ، فلا بأسَ على مَن حضَره أن يُصْلِحَ بينَ الذين يُوصَى لهم وبينَ ورثةِ الميتِ وبينَ الميتِ، بأن يَأْمُرَ الميِّتَ في ذلك بالمعروفِ، ويُعَرِّفَه ما أباح اللهُ له في ذلك، فأذِن له فيه مِن الوصيةِ في مالِه، وينهاه أن يُجَاوِزَ في وصيتِه المعروفَ الذى قاله جلَّ ثناؤُه في كتابه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾. وذلك هو الإصلاحُ الذى قال جل ثناؤه: ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾. وكذلك إن كان في المالِ فضلٌ وكثرةٌ وفى الورثةِ قلَّةٌ فأراد أن يَقْصِرَ في وصيَّتِه لوالدَيْهِ وأقربيه عن ثلثِه، فأصْلَح مَن حضَره بينَه وبينَ ورثتِه، وبينَ والديه وأقربيه الذين يُرِيدُ أن يُوصِىَ لهم، بأن يَأْمُرَ المريضَ أن يَزِيدَ في وصيَّتِه لهم، ويَبْلُغَ بها ما رخَّص اللهُ فيه مِن الثلثِ، فذلك أيضًا هو مِن الإصلاحِ بينَهم بالمعروفِ.

وإنما اختَرْنا هذا القولَ، لأن اللهَ جلَّ ثناؤُه قال: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا﴾. يعنى بذلك: فمَن خاف مِن موصٍ أن يَجْنَفَ أو يَأْثَمَ، فخوفُ الجنفِ والإثمِ مِن الموُصِى إنما هو كائنٌ منه قبلَ وقوعِ الجنفِ والإثمِ، فأمّا بعدَ وجودِه منه فلا وجهَ للخوفِ منه بأن يَجْنَفَ أو يَأْثَمَ، بل تلك حالُ مَن قد جنِف أو أثِم، ولو كان ذلك معناه لقيلَ: فمَن تبيَّن مِن موصٍ جنفًا أو إثْمًا، أو أيْقَن أو علِم،


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في م، ت ١، ت ٢: "و".