للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يَقُلْ: فمَن خاف منه جَنفًا.

فإن أشْكَل ما قلنا مِن ذلك على بعضِ الناسِ فقال: فما وجهُ الإصلاحِ حينئذٍ، والإصلاحُ إنما يكونُ بين المختلفين في الشيءِ؟

قيل: إن ذلك -وإن كان مِن معانى الإصلاحِ- فمِن الإصلاحِ بينَ فريقين (١) فيما كان مخوفًا حدوثُ الاختلافِ بينَهم فيه بما يُؤْمَنُ معه حدوثُ الاختلافِ؛ لأن الإصلاحَ إنما هو الفعلُ الذى يكونُ معَه صلاحُ ذاتِ البَيْنِ، فسواءٌ كان ذلك الفعلُ الذى يكونُ معه صلاحُ ذاتِ البينِ قبلَ وقوعِ الاختلافِ أو بعدَ وقوعِه.

فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾. ولم يَجْرِ للورثةِ ولا للمختلفين أو الخوفِ اختلافُهم ذكرٌ؟

قيل: بل قد جرَى ذكرُ الذين أمَر جلَّ ثناؤُه بالوصيَّةِ لهم، وهم والدَا المُوصِى وأقرَبُوه، والذين أُمِروا بالوصيَّةِ في قولِه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾. ثم قال جلَّ ذكرُه: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ﴾. لمن أمَرته بالوصيَّةِ له - ﴿جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ وبيْنَ مَن أَمرتُه بالوصيةِ له ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾. والإصلاحُ بينَه وبينَهم هو إصلاحٌ بينَهم وبينَ ورثةِ المُوصِى.

وقد قُرِئ قولُه: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ﴾ بالتخفيفِ في الصادِ والتسكين في الواوِ (٢)، و (٣) بتحريكِ الواوِ وتشديدِ الصادِ (٤).


(١) في م: "الفريقين".
(٢) هى قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وحفص. حجة القراءات ص ١٢٤.
(٣) سقط من: م.
(٤) قراءة حمزة والكسائى وأبى بكر. المصدر السابق.