للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمرضعِ إذا خافتا على أولادِهما لهما الإفطارُ، وإن أطاقتا الصومَ بأبدانِهما، مع الخبرِ الذى رُوِى في ذلك عن رسولِ اللهِ ﷺ الذى حدثنا به هنّادُ بنُ السَّرىِّ، قال: حدثنا قبيصةُ، عن سفيانَ، عن أيوبَ، عن أبى قِلابةَ، عن أنسٍ، قال: أتيتُ رسولَ اللهِ ﷺ وهو يتغدَّى فقال: "تعَالَ أُحَدِّثْكَ؛ إن اللهَ وضَع عن المُسافِرِ والحاملِ والمُرْضِعِ الصومَ وشَطْرَ الصَّلاةِ" (١).

قيل: إنّا لم ندَّعِ إجماعًا في الحاملِ والمرضعِ، وإنما ادَّعينَا في الرجالِ الذين وصفْنَا صِفَتَهم. فأما الحاملُ والمرضعُ فإنما علِمْنا أنهنَّ غيرُ مَعنياتٍ بقولِه: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ إذ (٢) خَلَا الرجالُ أن يكونوا معنيِّينَ به؛ لأنهنَّ لو كنَّ مَعنياتٍ بذلك دونَ غيرِهنَّ من الرجالِ لقيل: وعلى اللواتِى يُطِقْنه فديةٌ طعامُ مسكينٍ؛ لأن ذلك كلامُ العربِ إذا أُفرِد الكلامُ بالخبرِ عنهن دونَ الرجالِ، فلمّا قيل: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ كان معلومًا أنَّ المعنىَّ به الرجالُ دونَ النساءِ، أو الرجالُ والنساءُ، فلمَّا صحَّ بإجماعِ الجميعِ على أنَّ من أطاقَ من الرجالِ المقيمينَ الأصِحّاءِ صومَ شهرِ رمضانَ فغيرُ مرخَّصٍ له في الإفطارِ والافتداءِ، فخرَج الرجالُ من أن يكونوا معنيِّين بالآيةِ، وعُلِمَ أن النساءَ لم يُرَدْنَ بها؛ لما وصَفْنا من أن الخبرَ عن النساءِ إذا انفَرد الكلامُ بالخبرِ عنهن: وعلى اللواتى يُطِقْنَه. والتنزيلُ بغيرِ ذلك.

وأما الخبرُ الذى رُوى عنِ النبىِّ ﷺ، فإنه إن كان صحيحًا، فإنما معْناه أنه وُضِع عن الحاملِ والمرضعِ الصومُ ما دامتا عاجزتينِ عنه حتى تُطِيقَا فتَقْضِيَا، كما


(١) أخرجه البخارى في الكبير ٢/ ٢٩، والفسوى في تاريخه ٢/ ٤٦٩، والخطيب في المتفق والمفترق ١/ ١٢٨ من طريق قبيصة به، وأخرجه البخارى في الكبير ٢/ ٢٩، والنسائى (٢٢٧٣)، وابن خزيمة (٢٠٤٣) من طريق سفيان به. وأنس هو ابن مالك الكعبى، ليس يروى عن النبى ﷺ إلا هذا الحديث. وقال الفسوى: اضطربت الرواية في هذا الحديث. وينظر علل ابن أبى حاتم (٤٤٧)، والتحفة ١/ ٤٥٠ - ٤٥٢.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "و".