للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

و (١) أولُ ما نَبْدَأُ به مِن القِيلِ في ذلك الإبانةُ عن الأسبابِ التي البِدايةُ بها أَوْلَى، وتقديمُها قبلَ ما عداها أحْرَى؛ وذلك البيانُ عما في آيِ القرآنِ مِن المعاني التي مِن قِبَلِها يَدْخُلُ اللَّبْسُ على مَن لم يُعانِ رِياضةَ العلومِ العربيةِ، ولم تَسْتَحْكِمْ معرفتُه بتَصاريفِ وُجوهِ مَنْطِقِ الألسنِ السَّلِيقيَّةِ الطبيعيةِ.

القولُ في البيانِ عن اتِّفاقِ مَعاني آيِ القرآنِ ومعاني مَنْطِقِ مَن نزَل بلسانِه مِن وجهِ البيانِ، والدَّلالةُ على أن ذلك مِن اللَّهِ - جل وعز - هو الحكمةُ البالغةُ، مع الإبانةِ (٢) عن فضلِ المعنى الذي به بايَن القرآنُ سائرَ الكلامِ

قال أبو جعفرٍ: إن مِن عظيمِ (٣) نعمِ اللَّهِ على عبادِه، وجَسيمِ مِنَّتِه (٤) على خلقِه، ما منَحهم مِن فضلِ البَيانِ، الذي به عن ضمائرِ صُدورِهم يُبينون، وبه على عَزائمِ نفوسِهم يَدُلُّون، فذلَّل به منهم الألسنَ، وسهَّل به عليهم المُسْتَصْعبَ، فبه إياه يُوَحِّدون، وإياه به يُسَبِّحون ويُقَدِّسون، وإلى حاجاتِهم به يَتَوَصَّلون، وبه بينَهم يَتَحاوَرون، فيتَعارَفون ويَتَعامَلون.

ثم جعَلهم جل ذكرُه - فيما منَحهم مِن ذلك - طبقاتٍ، ورفَع بعضَهم فوقَ بعضٍ درجاتٍ، فبَيْنَ خَطيبٍ مُسْهِبٍ، وذَلِقِ اللسانِ مُهْذِبٍ، ومُفْحَمٍ عن نفسِه لا يُبِينُ، وعَيِيٍّ عن ضميرِ قلبِه لا يُعَبِّرُ، وجعَل أعْلاهم فيه رُتْبةً، وأرْفَعَهم فيه درجةً، أبْلَغَهم فيما أراد به بلاغًا، وأبينَهم عن نفسِه به بيانًا، ثم عرَّفهم في تنزيلِه ومُحْكَمِ


(١) بعده في م، ت ١، ت ٢: "إن".
(٢) في ر: "الأمانة".
(٣) في ص، ر: "أعظم".
(٤) في م، ت ١، ت ٢: "مننه".