للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ قال: الخيطُ الأبيضُ الذي يكونُ مِن تحت الليلِ يكشِفُ الليلَ، والأسودُ ما فوقَه.

وأمَّا قولُه: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾. فإنه تعالى ذكرُه يعْنِي: حتَّى يتبيَّنَ لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ الذي هو من الفجرِ، وليس ذلك هو جميعَ الفجرِ، ولكنه إذا تبيَّنَ لكم أيُّها المؤمنون (١) من الفجرِ ذلك الخيطُ الأبيضُ الذي يكون من تحتِ الليلِ الذي فوقَه سوادُ الليلِ، فمِن حينئذٍ فصُوموا، ثم أتمُّوا صيامَكم من ذلك إلى الليلِ.

وبمثلِ ما قلنا في ذلك كان ابنُ زيدٍ يقولُ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾. قال: ذلك الخيطُ الأبيضُ هو من الفجرِ نسبةً إليه، وليس الفجرَ كلَّه، فإذا جاء هذا الخيطُ وهو أوَّلُه، فقد حلَّتِ الصَّلاةُ، وحرُمَ الطعامُ والشرابُ على الصائمِ.

وفي قولِه تعالى ذكرُه: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾. أوضحُ الدَّلالةِ على خطأَ قولِ مَن قال: حلالٌ الأكلُ والشربُ لمن أرادَ الصومَ، إلى طلوعِ الشمسِ. لأن الخيطَ الأبيضَ من الفجرِ يتبيَّنُ عندَ ابتداءِ طلوعِ أوائلِ الفجرِ، وقد جعَل اللهُ تعالى ذكرُه ذلك حدًّا لمن لزِمه الصومُ في الوقتِ الذي أباح إليه الأكلَ والشربَ والمباشرةَ، فمَن زعَم أن له أن يتجاوزَ ذلك الحدَّ، قيل له: أرأيتَ إن أجاز له آخَرُ ذلك ضَحوةً أو نصفَ النَّهارِ؟ فإن قال: إنَّ قائلَ ذلك مخالفٌ للأُمةِ. قيل له: وأنت لما دلَّ عليه كتابُ اللهِ ونقْلُ


(١) في ت ١، ت ٢: "الناس".