للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأُمةِ مخالفٌ، فما الفرقُ بينَك وبينَه من أصلٍ أو قياسٍ؟ فإن قال: الفرقُ بيني وبينَه أن اللهَ أمرَ بصومِ النَّهارِ دونَ الليلِ، والنهارُ من طلوعِ الشمسِ. قيل له: كذلك يقولُ مُخالِفوك، والنهارُ عندهم أوَّله طلوعُ الفجرِ، وذلك هو ضوءُ الشمسِ وابتداءُ طلوعِها دونَ أن يتتامَّ طلوعُها، كما أن آخِرَ النَّهارِ ابتداءُ غروبِها دونَ أن يتتامَّ غروبُها.

ويقالُ لقائلي ذلك: إن كان النهارُ عندَكم كما وصفتُم هو ارتفاعُ الشمسِ وتكاملُ طلوعِها، وذَهابُ جميعِ سُدْفةِ الليلِ وغَبَسِ (١) سوادِه، فكذلك عندكم الليلُ، هو تتَامُّ غروبِ الشَّمسِ وذَهابُ ضيائِها، وتكاملُ سوادِ الليلِ وظلامِه.

فإن قالوا: ذلك كذلك. قيل لهم: فقد يجِبُ أن يكونَ الصومُ إلى مَغيبِ الشَّفَقِ، وذَهابِ ضوءِ الشمسِ وبياضِها من أُفقِ السماءِ.

فإن قالوا: ذلك كذلك. أوجَبوا الصومَ إلى مَغيبِ الشفقِ الذي هو بياضٌ، وذلك قولٌ إن قالوه مدفوعٌ بنَقلِ الحجَّةِ التي لا يجوزُ فيما نَقلَتْه مُجمِعةً عليه الخطأُ والسهوُ، [وكفى بذلك شاهدًا] (٢) على (٣) تخطئتِه.

وإن قالوا: بل أوَّلُ الليلِ ابتداءُ سُدْفَتِه وظلامِه، ومَغيبُ عينِ الشمسِ عنا. قيل لهم: وكذلك أوَّلُ النَّهارِ، طلوعُ أوَّلِ ضياءِ الشَّمسِ، ومَغيبُ، أوائلِ سُدْفةِ الليلِ، ثم يُعكَسُ عليه القولُ في ذلك، ويُسألُ الفرقَ بين ذلك، فلن يقولَ في أحدِهما قولًا إلَّا أُلزِمَ في الآخَرِ مثلَه.

وأما الفجرُ، فإنه مصدرٌ من قولِ القائلِ: تفجَّرَ الماءُ يتفَجَّرُ فَجْرًا. إذا انبعَثَ


(١) في ت ١، ت ٢: "عبس"، والغبس: ظلام في آخر الليل. التاج (غ ب س).
(٢) سقط من النسخ، وأثبتناه كالشيخ شاكر.
(٣) في م: "عن".