للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السُّدِّيِّ قولَه: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾: فإنَّ ناسًا من العربِ كانوا إذا حَجُّوا لم يدخُلوا بيوتَهم من أبوابِها، كانوا يَنْقُبونَ في أدْبارِها، فلما حجَّ رسولُ اللهِ حجةَ الوداعِ، أقبلَ يَمشِي ومعه رجلٌ من أولئك وهو مسلمٌ، فلما بلَغ رسولُ اللهِ بابَ البيتِ، احتبسَ الرجلُ خلْفَه وأبَى أنْ يَدخُلَ، قال: يا رسولَ اللهِ، إني أحْمسُ. يقولُ: إني مُحرِمٌ - وكان أولئك الذين يفعَلون ذلك يُسمَّون الحُمسَ - قال رسولُ اللهِ : "وأنا أيْضًا أحْمَسُ، فادْخُلْ". فدخَل الرجلُ، فأنزل اللهُ: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ (١).

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثني عمِّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾: وإن رجالًا من أهلِ المدينةِ كانوا إذا خاف أحدُهم من عَدوِّه شيئًا أحرَم فأمِنَ، فإذا أحْرَمَ لم يَلِجْ من بابِ بيتِه، واتخذَ نَقْبًا من ظهرِ بيتِه، فلمَّا قدِم رسولُ الله المدينةَ، كان بها رجلٌ محرمٌ كذلك. وإنَّ أهلَ المدينةِ كانوا يُسمُّون البستانَ الحُشَّ. وإنّ رسولَ اللهِ دخَل بستانًا، فدخَله من بابِه، ودخَل معه ذلك المحرِمُ، فناداه رجلٌ من ورائِه: يا فلانُ، إنك محرمٌ وقد دخلْتَ [مع الناسِ] (٢). فقال: أنا أحمسُ. [وقال] (٣): يا رسولَ اللهِ، إنْ كنتَ محرمًا فأنا محرمٌ، وإنْ كنتَ أحْمسَ فأنا أحْمسُ. فأنزَل اللهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ إلى آخرِ الآيةِ. فأحلَّ اللهُ للمؤمنين أن يدخُلوا من أبوابِها (٤).


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٢٠٤ إلى المصنف.
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) في م، ت ٣: "فقال"، وفي ت ١: "قال".
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٣٢٣ (١٧١١) عن محمد بن سعد به.