للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدثتُ عن عمارِ بنِ الحسنِ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ قولَه: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾. قال: كان أهلُ المدينةِ وغيرُهم إذا أحرَمُوا لم يدْخُلوا البيوتَ إلَّا من ظُهورِهَا، وذلك أن يَتَسَوَّرُوها، فكان إذا أحرَم أحدُهم لا يدخُلُ البيتَ إلَّا أن يتَسوَّرَه من قِبلِ ظهرِه، وأنّ النبيَّ دخَل ذاتَ يومٍ بيتًا لبعضِ الأنصارِ، فدخَل رجلٌ على أثَرِه ممّنْ قد أَحْرَمَ، فأنكَروا ذلك عليه، وقالوا: هذا رجلٌ فاجرٌ فقال النبيُّ : "لِمَ دَخَلْتَ مِنَ البابِ وَقَدْ أحْرَمْتَ؟ " قال: رأيتُكَ يا رسولَ اللهِ دخلتَ فدخلتُ على أثَرِكَ. فقال النبيُّ : "إنِّي أحْمَسُ" - وقريشٌ يومَئذٍ تُدعَى الحُمْسَ - فلمَّا أن قال ذلك النبيُّ ، قال الأنصاريُّ: إنّ دِيني دِينُك. فأنزَل اللهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ الآية (١).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حجاجٌ، قال: قال ابنُ جُريجٍ: قلتُ لعطاءٍ: قولُه: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾.

قال: كان أهلُ الجاهليةِ يأْتونَ البيوتَ من ظهورِها ويَروْنه بِرًّا، فقال: "البرُّ"، ثم نعَت "البرَّ"، وأَمرَ أنْ يأتُوا البيوتَ من أبوابِها. قال ابنُ جُريجٍ: وأخبرني عبدُ اللهِ بنُ كَثيرٍ أنه سمِعَ مجاهدًا يقولُ: كانت هذه الآيةُ في الأنصارِ يأتُونَ البيوتَ من ظهورِها يتبرَّرُون بذلك.

فتأويلُ الآيةِ إذن: وليس البرُّ أيُّها الناسُ بأن تأتُوا البيوتَ في حالِ إحرامِكم من ظُهورِها، ولكن البرَّ من اتقى اللهَ ﷿ فخافَه، وتجنَّبَ مَحارمَه فأطاعَهُ بأداءِ فرائضِه التي أمرَه بها. فأما إتيانُ البيوتِ من ظهورِها فلا برَّ للهِ فيه، فأْتوهَا من حيثُ


(١) عزاه الحافظ في الفتح ٣/ ٦٢١ إلى المصنف.