﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ والآيات بعدَها، وقولُه: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ إنّما هو في سياقِ الآيات التي فيها الأمرُ بالقتالِ والجهادِ، واللهُ إنما فرَض القتالَ على المؤمنين بعدَ الهجرةِ. فمعلومٌ بذلك أن قولَه: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ مدنيٌّ لا مكيٌّ، إذْ كَان فرضُ قتالِ المشركين لم يكنْ وجَب علَى المؤمنين بمكةَ، وأنّ قولَه: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ نظيرُ قولِه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ وأن معناه: فمن اعتدَى عليكم في الحرمِ فقاتَلكم فاعتَدُوا عليه بالقتالِ نحوَ اعتدائِه عليكم بقتالِه إيَّاكم؛ لأني قد جعَلتُ الحرماتِ قصاصًا، فمَن استحلَّ منكم أيُّها المؤمنون من المشركين حُرْمةً في حَرَمى، فاستحِلُّوا منه مثلَه فيه.
وهذه الآيةُ منسوخةٌ بإذنِ اللهِ جلَّ ثناؤُه لنبيِّه ﷺ بقتالِ أهلِ الحرمِ ابتداءً في الحرمِ، وقولُه: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ على نحوِ ما ذكَرنا [من القولِ في ذلك عن ابنِ زيدٍ.
وأما قولُه: ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ فإنّ فيه وجهَين مِن التأويلِ؛ أحدُهما، ما قد ذكَرنا قبلُ] (١) مِن أنه بمعنَى المجازاةِ وإتباعِ لفظٍ لفظًا وإنِ اختلَف معنياهما، كما قال: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ﴾ [آل عمران: ٥٤] وقال: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] وما أشبهَ ذلك مما أَتْبَع لفظٌ لفظًا واختلفَ المعْنيانِ.
والآخرُ، أن يكونَ بمعْنى العَدْوِ الذي هو شدٌّ ووثوبٌ، من قولِ القائلِ: عدَا الأسدُ على فريستِه. فيكونُ معنى الكلامِ: فمَن عدَا عليكم، أيْ: فمَن