للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُلْقٍ بيدِه إلى التَّهْلُكَةِ.

فإذا كانت هذه المعاني كلُّها يَحْتَمِلُها قولُه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ ولم يكنِ اللهُ ﷿ خصَّ منها شيئًا دون شيْءٍ، فالصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يُقالَ: إنَّ اللهَ تعالى ذكرُه نهى عن الإلقاءِ بأيدِينا لِما فيه هلاكُنا والاستسلامِ للهَلَكَةِ - وهي العذابُ - بتركِ ما لزِمَنا مِن فرائضِه، فغيرُ جائزٍ لأحدٍ منا الدخولُ في شيْءٍ يَكْرَهُه اللهُ منا مما نَسْتَوْجِبُ بدُخولِنا فيه عذابَه، غيرَ أنَّ الأمرَ وإن كان كذلك، فإنَّ الأغلبَ مِن تأويلِ الآيةِ: وأنْفِقُوا أيها المؤمنون في سبيلِ اللهِ، ولا تَتْرُكوا النفقةَ فيها فتَهْلِكُوا باستحقاقِكم بتركِكم ذلك عذابي.

كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنا مُعاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾. قال: التَّهْلُكةُ عذابُ اللهِ (١).

فيكونُ ذلك إعلامًا منه لهم، بعد أمرِه إياهم بالنفقةِ، ما لمن ترَك النفقةَ المفروضةَ عليه في سبيلِه مِن العقوبةِ في المعادِ.

فإن قال قائلٌ: وما وجهُ إدخالِ الباءِ في قولِه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾ وقد علِمتَ أنَّ المعروفَ مِن كلامِ العربِ: ألقَيتُ إلى فلانٍ درهمًا. دونَ: ألقَيتُ إلى فلانٍ بدرهمٍ؟

قيل: قد قِيل: إنها زِيدت نحوَ زيادةِ القائلِ (٢) الباءَ في قولِه: جذَبتُ الثوبَ، وجذَبتُ بالثوبِ، وتعَلَّقْتُ به، وتعلَّقتُه، و ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠]. وإنما


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٣٣٢ (١٧٤٩) من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٢٠٨ إلى ابن المنذر.
(٢) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "في".